كلما أدّبني الدّهر أراني نقص عقلي

و اذا ما زدت علما زادني علما بجهلي

الامام الشافعي


mercredi 23 novembre 1994

أحفظ و أترك

المهدي الجندوبي الجزيرة (يومية سعودية) 23 نوفمبر (تشرين الثاني)، 1994م، العدد ، 8091، ص: 8.

يخصّص الفرد فترة طويلة من عمر الطفولة و الشباب للتعلّم و عندما نفكّك محتويات هذا الصّنف من التعلّم تجد أنه يتكوّن من مواد مثل اللغات و الرياضيات و العلوم و التاريخ و غيرها من الانسانيات و بعض المهارات الجمالية و التقنية و كلها معارف تضمن التكوين العام و تمكّن الفرد من التخصّص في فترة لاحقة.

و الهدف من هذا التعلّم تهيئة الفرد للحياة و تمكينه من الانخراط في مسار من المسارات المهنية و من الاندماج في المجتمع.

و بيّن علم الاجتماع أن هذا الصّنف من التعلّم الدراسي ليس النّمط الوحيد الذي يتلقاه الفرد اذ تتضافر الأسرة و منظّمات الشباب ووسائل الاعلام و غيرها من المؤسسات الاجتماعية في اعطاء الفرد معلومات و مهارات مكمّلة تمكّنه من مجابهة أعباء الحياة.

و اذا كانت المعارف التي توفّرها المدرسة موضوع تفكير و تخطيط يقوم به علماء و خبراء التّربية الذين يضعون المناهج و يطوّرونها بصفة دورية، فإن الدّور الموكل للأسرة و لغيرها من المؤسسات التي تساهم في التنشئة الاجتماعية رهينة اجتهادات الأفراد و بعيدة عن التقييم الا في مناسبات قليلة.

لا يشكّ اثنان أن دور الأسرة في إكساب الفرد قيما و سلوكيات تسهّل إندماجه و تحقّق له قبول الآخرين. و لكن هل يبقى هذا الوفاق حول الأسرة اذا طرحنا مسألة تعليم الفرد مهارة التصرّف في المال و مهارات البيع و الشراء (و كلّنا يبيع و يشتري في فترة من حياته بدون أن يكون تاجرا)، و مهارات الطّبخ و ترتيب البيت للاناث و الذكور و مهارات عملية لها علاقة بالكهرباء أو العناية بالسيارة و غيرها من التجهيزات التي يتعامل معها يوميا.

فلماذا نجهد النفس لتمكين ابنائنا من مداخل عدّة عن طريق الدراسة و غيرها من مسالك النجاح الاجتماعي من ناحية و نهمل تكوينهم في التصرّف في ميزانية الأسرة من ناحية أخرى؟

لماذا نضمن للطفل و الشاب أحسن ظروف الاقامة في البيت حيث تتفانى الأم و الخادمة في ترتيبه من غير مشاركته و تدريبه على ذلك بينما نعرف أنه سوف يوجد -أحببنا أو كرهنا- في فترة من عمره منفصلا عن الأسرة و عليه مجابهة هذه المهمّة لوحده. إن الإفراط في حماية الشاب و عدم تشريكه قصد التعلّم في بعض الأعباء الأسرية بتعلّة التخفيف عليه و تمكينه من النفرّغ للدّراسة و غيرها من الحجج هو في الواقع هدية مغشوشة، قد يدفع ثمنها في مرحلة لاحقة.

إن الأمثلة عديدة حول هذه التجارب التي تكسبها لنا خبرة الحياة و التي كثيرا ما نعوّل على غيرنا لانجازها، خاصة في حالة اليسر. لماذا لا نقبل بالمثل القائل "أحفظ و أترك" في تعلّم تقنيات الحياة اليومية فهي متنوّعة بعضها بسيط و بعضها اكثر تعقيدا و لا يمكننا دائما التعويل على الأهل و لا على الأصدقاء و لا حتى على المال لإنجازها.

موضوع ذو صلة:

فارقت سيارتي...فعدت الى الفلسفة