المهدي الجندوبي (خاطرة لم تنشر)
30 مارس 2013
خرجت أتجوّل في هذا الربيع المقبل بنسمته المنعشة و شمسه الدافئة و عندما
تجاوزت بائع الغلال على قارعة الطريق استمعت إلى صوت صبية في العاشرة تقريبا تخاطب
البائع: "عمي تبيع بلكعبة تفاح..." و لم أستمع إلى رد و كأنه أشار بنعم فإذا الطفلة
تقول: بقدّاش
الكعبة.
تجاوزت قليلا المكان و التفتت إلى الوراء لمتابعة المشهد فرأيت أمّا تبحث عن النقود لتشتري تفاحة. ما أجملها أمّا لا تستطيع أن تشتري كيلو تفاح أو رطل و لا تريد أن تحرم ابنتها من شهوة كعبة تفاح لأن الكيلو يقارب 4 دنانير. لماذا يشتري البعض كيلوات تفاح تبقى على الطاولة و يكتفي آخرون باشتهاء التفاح معروضا لغيرهم؟
و انحرف بي الخيال إلى مشهد آخر...تصوّروا بنتا أخرى تقول لوحدها للبائع
بقداش الكعبة و يجيبها ليك أنت بلاش يا للة...و تأخذ البنت بلاش مرة و اثنين و
ثلاثة و بعدها...تسقط البنت الساذجة في شباك بائع التفاح...أرجو أن يكون خيالي
فعلا منحرفا هذه المرة...رغم وجود قصص عديدة من هذا القبيل مع الباعة و غير
الباعة.
لا يزعجني أن يروّح البائع عن نفسه...و لكن لماذا يكون الفقر مدخلا لمقايضة
غير عادلة...؟
أليست شهوة هذه البنت كعبة تفاح مشكلة قد لا تقل عن كتابة الدستور؟ و كيف
يبني الدستور الديمقراطية إذا انهزمت مبادئه على عتبة بائع التفاح بالكعبة؟
ولكن من مفارقات الحياة...هل من يشتري لأبنائه التفاح بالكيلو و يتركونه
على الطاولة أسعد من هذه الأم التي اشترت كعبة واحدة و أهدتها بكل فخر إلى ابنة
العاشرة؟
التفاح بالكعبة...أظنه ألذّ من التفاح بالكيلو...و سعادة هذه البنت لا
تضاهيها ابتسامة من يتركون التفاح على الطاولة لأنهم سئموا منه.