كلما أدّبني الدّهر أراني نقص عقلي

و اذا ما زدت علما زادني علما بجهلي

الامام الشافعي


vendredi 6 février 2015

"سبعة وجـوه للقمر".. محاولة للبحث عن سر السعادة في حياة الإنسان

 أخبار الخليج (البحرين):7 فبراير 2015

 بقلم: د. المهدي الجندوبي *

لم أكن أعلم عندما شرعت في قراءة رواية د. يحيى عبد القادر حسن (سبعة وجوه للقمر) أنني سأجد بعضا من نفسي بين صفحات هذه الرواية التي تقرأ في ساعات قليلة فتمتعك وتشدك إلى عالم بطل الرواية ساهر وصديقاته. قضى ساهر ألف يوم في سجن القلعة وكثيرا ما كان يتأمل في القمر فيجد فيه تصديقا للأسطورة التي تمنح القمر سبعة وجوه فيتحرر السجين من دون مغادرة القيد ويرحل بخياله من وجه إلى وجه من وجوه القمر.


يغادر ساهر القلعة يوم تبدأ الرواية بعد أن قضى عقوبة إثر قضية فساد مالي توّرط فيها نتيجة ثقته المبالغة في صديق أوحى له بحيلة مالية سرعان ما فشلت فهجره الأصدقاء وأودع القلعة. يسعى ساهر لاسترداد زوجته منال التي طلقته بعد مدة من محنته، فهي ملاكه المفقود الذي يشغل باله وطفلته كرز وهما أقل الشخصيات حضورا في الرواية من حيث الصفحات وأكثرهما حضورا في عقل بطل الرواية.

وبينما هو يسعى لإرجاع زوجته لا يتردد ساهر في الارتباط من جديد مع عايدة امرأة اللذة والشؤم التي سئمت الحياة مع زوجها رجل الأعمال الذي لم يتردد في إغراق ساهر الذي كان على علاقة به قبل الدخول في السجن. وتحاول عايدة إقناع ساهر بمساعدتها على التخلص من زوجها ليثأر لنفسه.



لا يكتفي ساهر بالذهاب والإياب بين هذين الوجهين المرأة الملاك المفقود والحبيبة الجديدة فإذا به من صفحة إلى صفحة يحاط بشبكة عنكبوت من المغامرات التي لا تهدأ والتي يخوض بعضها في نزوات المتعة ولكن أغلبها لا يتجاوز عقله المتلهف على الحياة يبحث فيها عن أوجهها السبعة مثلما كان يفعل ذلك مع القمر في الأسر.

فهو لا يتردد في أخذ ما يتاح له من مغامرات حقيقية أو وهمية في الوقت الممكن من دون عناء مثل ملاطفات ماريان صاحبة الشقة التي اكتراها أو قام باستئجارها عند خروجه من السجن، فهي تجيد فن الحياة وتحذق صياغة ديكور المودة: الموسيقى والإضاءة والشموع فتنطلق المغامرة في مخيلة ساهر.. فيستمتع بحضورها وتسكن قلبه من دون أن يلمس جسدها أو يهيج عاطفتها.

ويقابل ساهر صديقة الصبا ناهد الأخت التي أقنعتها محاضرات الداعية عمرو خالد بلبس الحجاب والامتناع عن تقبيلها مثلما كانت تفعل قبل التحجب وكأن لبس الحجاب رمى على الحياة غشاوة تذنيب وجه جديد للبلد يكتشفه بعد عزلة السجن.

ولكن تلميذة عمرو خالد تبقى وفية لهذا الأخ الذي لم تسمح لها ظروف الحياة بالارتباط به فتصر على لقائه وتدعوه لحضور حفل زفافها وكأنها عاجزة عن قطع علاقة فيها من المحبة قدر ما فيها من الأخوة الصادقة.

لا تهدأ مخلية ساهر في أيامه الأولى من مغادرته السجن على نسج المغامرات حتى مع (لارا) المضيفة الروسية التي جذبت نظر ساهر لرشاقة قامتها التي صقلتها سنوات فن الباليه... وتتعدد المغامرات من صفحة إلى صفحة في الرواية ومن يوم إلى يوم أكثرها لا يتعدى مخيلة ساهر ولكن بعضها ينتهي به إلى علاقة خاصة مثل طالبة الإنجليزية المعدومة (رشا) التي تبيع جسدها وتقتسم الربح مع سائق التاكسي... ولكن رشا لم تكن مجرد فتاة هزت جانبا من عاطفة ساهر لجمالها وصغر سنها وألمها، فكيف يمكن أن يمنح السعادة للآخرين من يتألم؟

منال الزوجة الملاك التي هجرته وعايدة صاحبة الإغراء وأفكار الشؤم التي قد ترجعه مرة أخرى إلى سجن القلعة وناهد التي لا تريد أن تضيع منها أخوة ساهر حتى وإن ضاع الحب ورشا العاشقة التي تخلف الألم والندم.. وغيرهن وجوه سبعة لامرأة واحدة لم يعثر عليها ساهر، هذا الرجل العادي الذي قضى ألف يوم في سجن أصغر يتصفح أوجه القمر السبعة فينسى سجنه... ويغادره إلى سجن أكبر أقماره التي هي نساء من أنفسنا نبحث عنها خارج أنفسنا فيتسع السجن قدر اتساع الحـــلم. 

* أستاذ الإعلام بكلية الآداب، جامعة البحرين

المصدر:

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13469/article/5931.html