(...)"يوم الجمعة مساء في الليسي كانت تقام تظاهرات رياضية و هي تدريبات نخبة من التلاميذ،خارج دروس الرياضة الرسمية للجميع و كذلك كانت توجد نوادي فنية. إنتميت من السنة اولى في سن 12 الى نادي المسرح الذي كان يشتمل على مجموعة الصغار و مجموعة الكبار اي من يدرسون الثالثة فما فوق و كان يدرّبنا الأستاذ علية التونسي أطال الله عمره، و هو متفرّغ للعمل كمنشط مسرحي في لجنة الثقافة بباجة و تم تكليفه بنادي المسرح لأن المعهد وقتها يفتقد الى استاذ مسرح و توّج نشاط فريق الصّغار الذي كنت انتمي إليه بعرض في قاعة مسرح مدينة باجة.
كانت وقتها تسمى "الصّالة" على ملك البلدية و
تشتمل على خشبة مسرحية و ستار و حدّ مقبول من التجهيزات المسرحية البسيطة و تستعمل
للإجتماعات السياسية و للعروض الثقافية. أما فرقة "الكبار" لنادي
المسرح، فقد دعيت مرّة لتقديم عرضها لمسرحية عطيل أمام الزعيم الرئيس الحبيب
بورقيبة أثناء إحدى زياراته للجهة. و اذكر مرّة إنبهارنا يوم وصل الصّندوق الخشبي
العملاق من وزارة الثقافة و فيه ملابس مسرحية و فهمت بعدها أنها خدمة كانت تقدّمها
وزارة الثقافة للجهات.
و أبدع في آداء دور بطولة مسرحية عطيل، الشاب الموهوب عمر
الجلجلي أطال الله في عمره، الذي إلتحق بعد ذلك بسلك الحرس الوطني. و من طريف
الصّدف أنني عرفت سابقا الشاب عمر الجلجلي عندما كان ينشّط نادي طفولة في محلّ لا
يكبر على ما نسميه اليوم "قاراج" و كلّ تجهيزاته تتلخّص في "أبناك"
كنّا نجلس عليها، فتحته على مقربة من حيّنا الشعبة الدستورية المهنية للبريد و كان
"مسؤول" نادي الأطفال في سن 15 تحت إشراف إداري لكبار لا أعرفهم أذكر
منهم السيد زعرور كان يزورنا أحيانا للتفقّد، و هو ساعي بريد لا تفارقه الإبتسامة
معروف في مدينتنا.
و كان عمر الجلجلي يعلّمنا الأغاني و الألعاب الجماعية
بعقلية شبه كشفية من غير أن نكون رسميا ضمن الكشافة التونسية. تصوّروا هذه الدّرجة
من الثقة في النفس و هذه الفرصة لصقل مواهبه القيادية التي حصل عليها هذا الشاب
المنشط الثقافي و الممثل بالفطرة في هذا "القاراج الثقافي" و في نادي
المسرح.
و إنتمى رفيق دراستي الفنان عدنان الشواشي الى نادي
الموسيقى في "الليسي" الذي كان يشرف عليه الأستاذ الموسيقار الهادي
المقراني رحمه الله بالتوازي مع دروس الموسيقى النظامية، التي اضيفت الى البرامج
الدراسية و كانت لعدنان الشواشي موهبة فطرية صقلها نادي الموسيقى في المعهد إضافة
الى تدريبات نظّمتها اللّجنة الثقافية و كان يشرف عليها بابا منوّر و هو فنان
عصامي ساهم في صقل مواهب شباب المدينة و كل هذه الأنشطة يحتضنها مقرّ الكنيسة التي
إسترجعتها تونس بعد الإستقلال و حوّلتها الى فضاء ثقافي. و هكذا كانت بدايات فنان
وطني اصيل بين رعاية نادي الموسيقى في الليسي و رعاية اللجنة الثقافية في المدينة.
في إحدى العطل الدراسية لسنة 1971 تجمّعت حافلات النقل من
أقصى الجنوب الى اقصى الشمال على مقربة من معهد من معاهد نابل، فماذا سيجري؟ إنهم
تلاميذ النّوادي المدرسية من كلّ تراب الجمهورية جاؤوا "لمهرجان" يعرضون
فيه أعمالهم الموسيقية و المسرحية و الفنية و مثّل نادي الموسيقى لمعهدنا الفنان
عدنان الشواشي مع زملائه و زميلاته. ما أعروعه درسا في منح الثقة و ما ابلغها
مناسبة لترسيخ وحدة الوطن من غير ثرثرة. أهمس في آذان كل قيادات و وزراء التربية
الحاليين و القادمين، إن ما تعلّمته من نادي المسرح في الليسي في سن 13 أفادني
اكثر من عدّة دروس أخرى من الإبتدائي الى الجامعة في تونس و الخارج".
مقتطع من: "الدولة"... "أمّ
حنون" جفّ ضرعها.
الرابط الأصلي للمقال:
"الدولة"... "أمّ حنون" جفّ
ضرعها. (babnet.net)