تأملات و تساؤلات أولية حول الجامعة الشعبية على إثر لقاء الجمعة 22 مارس 2019 حول الجامعة الشعبية محمد علي الحامي: دواعيها و رؤيتها و أفاق فعلها، الذي اشرف عليه الأستاذ كمال الزغباني في فضاء الأرتيستو (3 نهج دمشق البلفدير، تونس).
ورقة من إعداد: المهدي الجندوبي ( لم تنشر)
فكرة الجامعة الشعبية و جمعها في
عبارة واحدة "الجامعة" كفضاء قوة المعرفة و "الشعب" كفضاء قوة
السلطة الأصلية و إن كانت أحيانا غائبة أو مغيّبة ( و من أسباب ذلك
حواجز الوصول للمعرفة)، هذه الفكرة تولد طموحة و تفتح أفق الحلم و الرغبة في الفعل
و هذا الطموح الجامح ذو حدين: فهو طبعا محفز لكنه قد يتسبب في إحباط سريع أمام
ضخامة الحاجة و تعدد السبل و قلة الموارد و بطء المنجز...
هناك سوق المعرفة، سوق التعلُم الشكلي ) (enseignement
formel أو النظامي في شقين شق عمومي و شق قطاع خاص
ما هي حاليا القنوات و الأطر التي تتاح فيها كل اشكال التعلم في المجتمع
خارج التعليم النظامي
دورات تدريبية عديدة داخل المؤسسات و عبر الجمعيات (و من ضمنها على سبيل
الذكر لا الحصر " معرفة و مهارات
دينية " مثل حفظ القرآن و تجويده، أو إرشاد إنجابي ضمن نشاط ديوان الأسرة و
العمران البشري)
هناك مؤسسات عمومية و خاصة لها هياكل مكلّفة بالتكوين و الرسكلة و على
مستوى عالمي هناك تجارب لجامعة المؤسسة أو جامعة داخلية ( universite
d’entreprise, universite interne ) و قد تستعمل عبارات أخرى مثل أكاديمية أو معهد أو مركز تكوين و
تدريب.
هناك أيضا فرص تعلّم عديدة غير شكلية، خارج منظومات التعليم و التدريب
التقلبدية (informel):المعرفة فوق العمل؟ ماهي أشكالها ( فكرة رائجة شعبيا: سرقة
الصنعة، بماذا توحي؟ وضعية المراهقين و
الشبان في ورشات المهن مثل النجارة و الحدادة و البناء الخ... "تأطير" الصنّاع
المبتدئين و حدوده؟ ممكن التفكير في تكوين الحرفيين لتادية دورهم بطريقة افضل في
تاطير الصنّاع؟)
مجال الجامعة الشعبية خارج هذا السوق: خارج الزمن الدراسي و
منظومة الشهادات و خارج التعليم كخدمة تجارية و هي اذا مجانية أو بمساهمة رمزية
خارج المنظومة المهيكلة ايضا من ناحية جمهورها المستهدف: تستقطب من تعثروا
في التعليم النظامي او من ليست لهم إمكانيات مالية للتوجه الى المنظومة التجارية
او من لا يستجيبون لشروط تقليدية مثل السن (جامعة للمسنين)
نقد منظومة التعليم النظامي المهيكل و الوقوف على بعض وجوه النقص او التقصير
او الحدود و بصفة اخص الحدود من ناحية المضامين و المهارات المتاحة أو من ناحية
الأسلوب التعليمي أو من الناحية الأجتماعية و العراقيل التي تجابهها الشرائح
الإجتماعية الضعيفة من الإستفادة الكاملة من المنظومة. هذا النقد هو الذي سيوضح
المجال المتبقي أو الجديد الذي يمكن ان تحتله الجامعة الشعبية و هذه امثلة لتدقيق
هذه الحدود:
حدود مضامين البرامج التعليمية: هناك ما يمكن نسميه
المعرفة الغائبة أو المغيبة و سنعرض 3 مواضيع لمسائل تلعب دورا هاما في الحياة
اليومية و ترافق الإنسان في مختلف مراحل حياته و في المقابل تناولها الدراسي و
المعرفي محدود (كيف تعدّ المدرسة للحياة إذا أهملت برامجها نشاطات حياتية هامّة؟):
عندما أنظر إلى تجربة الجيل الذي انتمي إليه، الذي دخل منظومة التعليم منذ
مطلع الستينات أرى أن هناك 3 مجالات هي بمثابة الثغرات و ممكن طبعا هناك ثغرات
عديدة أخرى لكن على سبيل الذكر سأتوقف عند 3 مواضيع لها خطورتها في حياة كل الناس:
الخصام\العرك conflit و المال و الحب.
هل يمكن أن ننكر حضور الخصام في حياتنا اليومية بمختلف اشكاله و مستوياته
من خصام داخل ساحة المدرسة الى عرك الشارع بين المواطنين الى الصراعات السياسية و
غيرها و في المقابل كيف هيأتنا المدرسة لفهم و ترشيد هذه التجربة سواء على مستوى
الحياة الخاصة أو العامة؟
ما أقوله عن الخصام صالح للمال الذي نتصرف فيه منذ "فلوس الجيب"
في الطفولة و "الشقاقة" كتجربة إدّخار أولى، الى المشاريع الخاسرة
الكثيرة التي يدخل فيها الآلاف يوميا بدعوى التجارة، و هم في جهل بابسط قواعد
المحاسبة.
كذلك بالنسبة للحب بكل اشكاله، لو نستثني الأدب و من ضمنه المسلسلات كأدب
شعبي معاصر و الأغاني و بعض دروس التربية الإسلامية حول النكاح و بعض مواد العلوم
حول الإنجاب reproduction وطبعا ما تسمح به الآن وسائل الإتصال، ما هي المفاهيم و المعارف التي
تتيحها الأسرة أو المدرسة لمرافقة الإنسان في مختلف مراحل سنه في هذه التجربة
الوجودية؟
الحدود الإجتماعية التي تمنع شرائح من الإستفادة من
المنظومة القائمة (انتماء أغلب قسط من بين 120 ألف تلميذ ينقطعون سنويا عن
التعليم، الى الطبقات الفقيرة)..
مكوّنات الجامعة الشعبية:
الجمهور المستهدف و المستفيد ؟
البرامج و المضامين التعليمية-التربوية؟
الإطار التعليمي-المنشطون-المتدخلون؟
-أساتذة متطوعون مباشرون للعمل
-اساتذة متقاعدون
-اساتذة شبان في طور البحث عن عمل
الموارد؟
موارد مالية:
تجهيزات تربوية:
فضاءات قارة و ظرفية:
فضاءات ظرفية :
فضاءات مؤسسات التعليم اثناء العطل
شبكة دور الشباب
بعض المقاهي الشعبية لها فضاءات تسمح بلقاءات مصغّرة مع جهد بسيط لوضع
الديكور المناسب. مع إمكانية العمل على إدخال تجربة "المقاهي الثقافية"
و لو بصفة جزئية. يمكن المبادرة بتعاون مع بعض اصحاب المقاهي المنفتحين على ذلك،
ببعث نواة مكتبة المقهى.
يمكن التفكير في صيغة نوادي تعليمية-ثقافية متنقلة عبر المقاهي (الإستئناس
بتجربة المكتبة المتجوّلة).
(إقتراح تكوين لجان متخصصة تتكلّف ببلورة كل عنصر من العناصر السابقة، و
تتابع سبل تنفيذه فعلى سبيل المثال لجنة الموارد البشرية ستضع قائمة اولية في
الأساتذة الذين يعبّرون عن إستعدادهم لتنشيط حصص تعليمية و لجنة الجمهور و
المستفيدين سيعود لها إقتراح الشرائح أو العناصر ذات الأولوية و لجنة الموارد
المالية تتخصص في توفير الدعم المالي و لجنة الفضاءات و التجهيزات تعالج مسألة
توفير الفضاءات المناسبة لإحتضان نشاطات الجامعة).
هل هناك معرفة شعبية متوفرة فعليا و ما هي مجالاتها و
أشكالها و كيف يمكن تثمينها و المحافظة عليها قبل وفاة كبار السن؟
(قد يكون مجال من مجالات الجامعة الشعبية هو إحتضان المعرفة الشعبية)
يمكن أن تكون المعرفة الشعبية معرفة تقليدية تراثية مثل الطبخ و تقنيات
اللباس و ما تحمله بعض الأمثال الشعبية من معارف إنسانية و ممكن بعض أنماط زراعية
أو حتى أشكال بناء و غيرها ( التوقف عند تقنية الماجل في صفاقس كحل ذكي للمحافظة
على ماء المطر )
كما يمكن أن تكون معرفة مكتسبة بحكم الممارسة لعمال لم يحصلوا على تكوين و
تعلموا فوق العمل (الزبيرة في الزراعة و البناء و غيرها...
تجربة تثمين المكتسبات المهنية عن طريق إجراء اختبارات و منح شهادات كفاءة
لمن لهم خبرة مهنية reconnaissance des acquis et des compétences\validation
des acquis de l’experience
الحاجة للمعرفة، كيف نرصدها؟
حاجة واعية و معلنة عند شرائح مثل من يريد تكوينا متوفر في القطاع الخاص و
لا يملك المال الكافي
حاجة كامنة تحتاج الى توعية؟
حاجة في علاقة مع مشروع مهني؟ (دعم الحصول على شغل)
حاجة في علاقة مع نوعية الحياة و مستوى من الرفاه (تعلم الموسيقى، تطوير
مهرات أدبية؟...)
حاجة في علاقة مع مشكل أو أزمة (مشكل صحي و حاجة لفهم و مجابهة المرض او
مرض قريب أو أزمة (أزمة اسرية؟)
ما هي الأدوار التي يمكن أن تؤديها الجامعة الشعبية؟
أن تكون مؤسسة من مؤسسات التعليم تعرض برامج تعليمية و
تستقطب متعلمين، مع نظام مختلف عن التعليم النظامي المهيكل
ان تكون وسيطا في سوق المعرفة إضافة الى أنها متدخّل مباشر
عبر برامجها و يكون ذلك بعدة طرق:
وظيفة التوجيه للإستفادة من فرص التكوين المتاحة
تطوّر في تونس الوعي باهمية التوجيه داخل منظومة التكوين و تم تخصيص اساتذة
لأداء هذا الدور خاصة في نهاية الإعدادي
لكن توجيه من هم خارج منظومة التعليم النظامية غائب تماما و قد تضيع فرص تكوين
لمجرد أن الشاب يجهل الى اين يذهب و كيف يترشّح...
يمكن للجامعة الشعبية أن تبادر، إضافة الى خلق فرص تكوين عبر برامجها
الخاصة، بتكوين موجّهين-مرشدين على دراية جيدة بمختلف فرص التكوين المتاحة سواء
عبر مؤسسات التكوين المهني او الدورات التدريبية، الخ...لمساعدة الراغبين في
التكوين على معرفة المؤسسات و البرامج الفعلية التي تقدر على إحتضانهم.
ما هي فرص التعلّم غير النظامية المتاحة حاليا؟ (المجال الرقمي)
التفكير في توجيه الإهتمام الى فرص تعلم عبر الأنشطة الثقافية العديدة
المجانية أو شبه المجانية التي تتوفر في دور الثقافة و الشباب...و مختلف النوادي
(نادي تصوير، نادي إعلامية
أن تقوم بمبادرات لدى هياكل تكوين قائمة:
تشجيع مؤسسات تكوين عمومية على تطوير فرص تكوين في شكل دروس ليلية مفتوحة
لغير حاملي الشهادات مثل دروس في القانون تنظمها كلية الحقوق و دروس في الأدب
التونسي تنظمها كلية الآداب و دروس في الملتيميديا ينظمها معهد الملتيميديا
بمنوبة، الخ و يمكن أن تنخرط هذه الدروس ضمن ما يسمى بخدمة المجتمع و هو واجب من
واجبات المؤسسات الجامعية و مقياس من مقاييس تقييم أدائها دوليا.
هل يمكن للجامعة الشعبية ان تحصل في شكل هبة على فرص تكوين مجانية أو مخفضة
لدى شبكة مؤسسات التكوين الخاصة؟ فكرة قد تظهر خيالية لكن يمكن الإشتغال عليها و
إقتراحها على الغرفة النقابية لمؤسسات التكوين الخاص كشكل من التضامن الإجتماعي، و
يمكن تتحول الى عادة حميدة أن تعلن مؤسسات التكوين المهني الخاص سنويا عن "
منح تكوين إجتماعية " في شكل إعفاءات رسوم.
أن تكون قوة تفكير و إقتراح ( think
tank ) في مجال نشر المعرفة و دعم فرص التكوين بمفهومه الشامل و اشكاله
المتعددة خارج منظومة التكوين النظامي الشكلي العام و الخاص و إستهداف الشرائح
الإجتماعية التي تقصيها المنظومة الرسمية سواء لأسباب إجتماعية و إقتصادية او
لأسباب لها علاقة بالسن و غيرها من أسباب الإقصاء. بهذه الطريقة الأفكار و الحلول
المقترحة يمكن تبنيها من جهات عديدة و تنتشر عقلية المعرفة المتاحة شعبيا خارج
حدود الجامعة الشعبية ذاتها قتتحول الجامعة الشعبية في جانب من نشاطها الى محضنة
تجارب تعليم شعبي بمفهومه الشامل و تكون هي المحفّز على بعث برامج تعليم شعبي و
المسهّل لها و ليست بالضرورة الباعث او المنفّذ. فروح و أهداف الجامعة الشعبية
يمكن أن تنجز عبر العديد من الهياكل الأخرى.
يمكن الإستئناس بتجربة المنظمة الوطنية للثقافة و الرياضة و العمل، التي
ساهمت في نشر النشاط الرياضي في المؤسسات الحكومية الإدارية و الإقتصادية الخاصة،
فهل يمكن تصوّر شبكة مشابهة في مجال نشر المعرفة؟ مع الملاحظة أن الكثير من
المؤسسات وضعت خطط تكوين و رسكلة و بعضها يمتلك هياكل إدارية و فضاءات خاصة
بالتكوين)
الإشتغال على ثنائية المعرفة و التعلّم (المعرفة هي المضمون و
التعلم هو السبيل الى ذلك و الوسيلة)
أشكال المعرفة و مستوياتها
أشكال التعلّم
المعرفة و التعلّم في الثقافة السائدة و في الأوساط الشعبية
ما هي القيمة الإجتماعية للمعرفة؟
نظرة إجتماعية تراوح بين التقديس و الإستخفاف للمعرفة: تقديسها قد تؤدي الى
وضع حواجز للوصول اليها
كذلك نظرة مستخفة أو حتى تحقيرية، كأن تعتبر وقت ضائع او ترف لا حاجة لنا
به لأن لنا اولوية لقمة العيش، أو ضغوط الحياة لا تترك لنا وقت للتعلّم و كأن
التعلم ترف...
المعرفة و القيم الدينية و الإجتماعية و الموروث الإيجابي الذي يشجع على
المعرفة (أطلب العلم من المهد الى اللحد،
و غيرها من المقولات)او العكس الذي يحول دون الوصول اليها
المعرفة و الأمثال الشعبية (كي شاب هزوه للكتاب)
بعض خصائص المعرفة:
المعرفة متعة (ممكن مناسبة أكثر للمسنين و الأطفال)
المعرفة قوّة و سلطة (ممكن لشرائح مقموعة إجتماعيا مثل بعض النساء، أو
المهمشين لمساعدتهم على الوعي بحقوقهم و السعي الى إستردادها )
المعرفة مورد (لمن ينوي الإرتزاق و يحتاج الى معارف و مهارات لدعم مشروعه)
شرح المعرفة مورد:المعرفة تساعد على لقمة العيش بل تسمح بها..كيف الربط بين
الوضع الإجتماعي للفرد و حاجته الواعية أو غير الواعية للمعرفة المناسبة؟ مثال
تعلم صنعة الخبز طابونة او ملاوي قبل فتح دكان أو تعلم اسس المحاسبة قبل الدخول في
مشروع تجارة و هي همنة تجر الآلاف من الشباب ا لإنغلاق فرص العمل الأخرى.
أصناف المعرفة
معرفة عامة- نظرية ( savoir )
معرفة بالفعل-تطبيقية-المهارات ( savoir-faire )
معرفة سلوكية-علائقية ( savoir-être )
ينتج عن هذه التصنيفات، أهداف و مضامين مختلفة و طبعا فئات من المستفيدين
البرنامج الوطني لتعليم الكبار : قد تكون
هناك فائدة للإطلاع على هذا البرنامج و تقييم و نقد هذه التجربة و إمكانية
الإستفادة من اوجه نجاحها و فشلها كما قد تبرز أشكال تعاون او تكامل أو الإستفادة
من شبكة الفضاءات. تشرف وزارة الشؤون الإجتماعية على هذا البرنامج و هناك تفكير في
بعث "المدرسة الشعبية" و من الطبيعي التساؤل حول أوجه الإختلاف و
التشابه مع "الجامعة الشعبية".
jendoubimehdi@yahoo.fr
ملاحظة: أهدي
هذه الورقة الى روح الأستاذ كمال الزغباني الذي عمل جاهدا على إنجاز حلم الجامعة
الشعبية (توفاه الأجل في 14 سبتمبر 2020).
للتوسّع:
الكاتب
التّونسي كمال الزّغباني: كيف ودّعه رفاقه؟
(arabi21.com)
Nawaat – مشروع الجامعة الشعبية ”محمّد علي الحامي“
الجامعة
الشعبية محمد علي الحامي_Université Populaire Mohamed
Ali Hammi | Facebook