د.المهدي الجندوبي – معهد الصحافة وعلوم الاخبار-تونس
الجزيرة (يومية سعودية)، 24
ديسمبر 1982.
تلعب الإمكانيات المادية والبشرية المتوفّرة
لكل وكالة دورا هاما في إعطاء الوكالة حجمها الحقيقي على المستوى الوطني والدولي.
فعبارة وكالة صحفية تطلق بصفة مجملة على مؤسسات قد يتراوح عدد الصحفيين العاملين
بها أو المتعاقدين معها بين بضعة عشرة الى بضعة آلاف. وفي الحقيقة يبرز شبه اتفاق عام
في الأوساط المهنية الصحفية للاعتراف بأن خمس وكالات وهي رويتر (إنجلترا) ،
واسوشيتدبرس ويونايتد برس انترناشيونال (الولايات المتحدة) وفرانس برس (فرنسا)
وتاس (الاتحاد السوفيثي) تسيطر بصفة واضحة على الاعلام الدولي وقد تكون مسؤولة عن
نسبة 75% من الإنتاج العالمي للوكالات وذلك حسب تقديرات اللجنة الدولية لدراسة
مشاكل الاعلام التي انشأتها اليونسكو لتدارس موضوع التواصل في العالم والتي وضعت
تقريرا، شهر باسم ماك برايد باسم الوزير الأول الايرلندي السابق الذي ترأس اللجنة.
وكثيرا ما تشبّه هذه الوكالات بالشركات
المتعددة الجنسيات في الحقل التجاري التي تسيطر على نسب مرتفعة في انتاج وتجارة
السلع على المستوى الدولي.
وكالات وطنية بحكم قوانينها الأساسية
تنعت هذه الوكالات العملاقة عادة بالوكالات
العالمية ولكن اذا عمّقنا النظر في هذه المؤسسات نجد أن هذه الصفة العالمية لا
تنطبق على هذه الوكالات الاّ مع الكثير من الحذر، فهي في الحقيقة وكالات وطنية،
بحكم قوانينها الأساسية، ولكنها أخذت هذه الصفة العالمية بحكم حجم صادراتها
الإعلامية وعدد اعوانها المرتفع المتمركزين في مختلف عواصم الدنيا.
نستطيع أن نقسم الوكالات العالمية الخمس الى
ثلاثة أنماط وذلك حسب قوانينها الأساسية.
النمط الأول : تعاقدي يتكون من وكالتين
اسوشيتدبرس ( الولايات المتحدة) التي أنشئت عام 1747 بنيويورك ورويتر –إنجلترا)
التي أنشئت سنة 1750 على يد جوليوس رويتر وتمثل هاتان الوكالتان مؤسستين تستجيبان
لحاجيات مجموعة من المهنيين ينتمون الى المجال الصحفي.
فرويتر شركة تعاضدية تجمع عددا من المؤسسات
الإعلامية بانجلترا وأستراليا ونيوزيلندا الجديدة، واسوشيتدبرس كذلك تعاضدية ليس
لها أهداف تجارية في تعاملها مع العشرة آلاف عضو الذين يكوّنون التعاضدية ( جرائد
، محطات إذاعية وتلفزيونية). وسواء
بالنسبة لرويتر أو بالنسبة لاسوشيتدبرس فإنه لا يمكن لغير الوطنيين ( الا في حالات
خاصة) الوصول الى مركز قرار داخل الأجهزة الميسرة للوكالة فاسوشيتدبرس يشرف عليها
مجلس اداري مكوّن من أصحاب الأسهم ولا يسمح الاّ لأعضاء أمريكيين وكنديين ( ابتداء
من سنة 1971) من شراء الأسهم.
فالمؤسسات الصحفية الأجنبية ، حتى وان توفّرت
لها الإمكانيات العادية لا يمكنها ان تصل الى أجهزة القرار بوكالة اسوشيتدبرس.
والنمط الثاني:
يمكن أن نضع فيه وكالة فرانس برس (فرنسا) ووكالة تاس (الاتحاد السوفييتي). فوكالة
فرانس برس، كانت تسمى في البداية منذ تأسيسها سنة 1735 وكالة هافاس باسم باعثها
وكانت مؤسسة خاصة، ولكن بعد الحرب العالمية الثانية تمّ تأميم هافاس بتهمة التخاذل و التعاون مع العدو الألماني الذي احتل باريس و جزء من البلاد الفرنسة أثناء الحرب العالمية الثانية ( 1939-1945 ) ، وانشئت وكالة
"فرانس برس" و وضعت تحت اشراف هياكل تمثل فيها الحكومة ومختلف الأطراف
المهنية الأخرى.
ووكالة تاس ، وهي الوكالة المركزية للدولة
بالاتحاد السوفياتي، أنشئت سنة 1925 وتعتبر رسميا لجنة حكومية مختلفة في الاعلام تحت
اشراف مجلس الوزراء.
وسواء بالنسبة لفرانس برس اولتاس بحكم الصبغة
الرسمية لهذه الأجهزة لا يمكن لأطراف اجنبية المساهمة في رأس المال وبالتالي التوصّل
الى قوة ضغط داخل هاتين المؤسستتين .
والنمط الأخير من الوكالات يتمثل في المؤسسات
الخاصة ونضع في هذا الصنف الوكالة الامريكية يونيتدبرس انترنشيونل وكانت الى مدّة
غير بعيدة ملكا بنسبة 95% لشركة أي دبليو سكرايبز هوارد وهي شركة عملاقة تراقب العديد من المحطات الاذاعية والتلفزيونية ومجموعة من
الجرائد. ولها مصالح قوية في قطاع انتاج الورق وفي الاشهار وهي أنشطة متينة
العلاقة بمجال الاعلام.
ونتيجة لعجز مالي متراكم خلال السنوات الأخيرة
، بيعت يونيتد برس انترنشيونل الى شركة، نيوزميديا كوربوريشان. وهي شركة تأسست
حديثا وتجمع عددا من المؤسسات الصحفية الامريكية.
نلاحظ اذن ان وكالة يونيتدبرس تمثل استثناء
بالنسبة للأربع وكالات العالمية الأخرى. اذ يجوز لغير الامريكيين المساهمة في
رأسمالها حتى ان وكالة رويتر الإنجليزية
دخلت في مفاوضات رسمية خلال شهر جويلية\يونية 1971 بقصد شراء يونايتد برس. ولكن
أوقفت هذه المفاوضات فيما بعد بدون الوصول الى اتفاق .
لذا نستطيع أن نجزم من دون مجازفة ان الوكالات
العالمية هي أولا وقبل كل شيء وكالات وطنية في خدمة الصحافة المتواجدة في بلد
المقر أو في بلدان تحظى برعاية خاصة نظرا لعلاقاتها التاريخية مع بلد مقر الوكالة.
أفواج من الصحفيين في عواصم الدنيا
اذا تجاوزنا هذا البعد المؤسسي. نستطيع أن نفهم
أكثر البعد العالمي الذي يتمثل أساسا في التغطية الشاملة التي تقوم بها الوكالات
المذكورة. وتعتمد هذه التغطية أساسا على عدد الصحفيين الذين يعملون بهذه المؤسسات
وخاصة نسبة الصحفيين الذين يعملون خارج المقر.
يصعب في الحقيقة حصر العدد الصحيح لمجموع
الصحفيين الذين يتعاملون مع الوكالات الدولية. فباختلاف المصادر تختلف الأرقام.
ولكن علينا ان نتعامل مع هذه الأرقام بحذر فهي تساعدنا على تكوين فكرة عامة عن
الطاقة البشرية المسخرة لعملية جمع المعلومات الصحفية.
تعد وكالة فرانس برس،حسب الجريدة الفرنسية
اليومية لومند حوالي 3000 عون من بينهم حوالي 670 صحفيا قارا ومجموعة قد تصل إلى
300 من الصحفيين المتعاقدين والذين يعملون سواء داخل فرنسا او خارجها.
وتشغل الوكالة اكثر من 400 صحفي خارج فرنسا من بينهم نسبة قارة وأخرى من
المتعاونين غير القارين وتشغل الوكالة مجموعة من الصحفيين غير الفرنسيين لانجاز
مهام بلغات عديدة في مختلف انحاء المعمورة.
اما وكالة رويتر الإنجليزية فهي تشغل اكثر من 550
صحفيا قارا وحوال الف من المتعاقدين غير القارين اما يونايتد برس فهي تشغل أكثر من2500
صحفي قار من بينهم اكثر من 650 يشتغلون خارج الولايات المتحدة.
ويعتبرعدد المكاتب المنتشرة عبر العالم اهم من
عد الصحفيين في حد ذاته. فحسب اللجنة الدولية لدراسة مشاكل الاعلام تعد وكالة
اسوشيتتدبرس 62 مكتبا خارج الولايات المتحدة ووكالة يونيتد برس 81 مكتبا بالخارج و
لرويتر ممثلون في 153 بلدا ولتاس 40 مكتبا خارج الاتحاد السوفيتي وتغطي نشاط 110
بلدان عن طريق مراسلين غير قارين وفرانس برس 108 مكاتب وتغطي نشاط 167 بلد.
وكالة انباء السعودية 107 صفحات يوميا من حجم صفحات الجزيرة
وتمثل هذه الشبكة من الصحفيين ومن المكاتب التي
تمتد عبر العالم السند الأساسي للوكالات العالمية اذ تمكها من تجميع اهم ما يجد في بلدان عديدة من العالم في مرحلة أولى ثم في مرحلة ثانية
توزيع المعلومات بعد انتقائها وتبويبها في نشرات مختلفة حسب اللغة وحسب الاهتمامات
الجغرافية والسياسية لمختلف دول العالم.
وهذا التواجد في مختلف اقطار العالم يضمن
للوكالات العالمية تنوّعا على مستوى المصادر وعلى مستوى المواضيع المطروحة وهذا
كثيرا ما ينقص انتاج وكالات العالم الثالث من المراسلين. فتغلب على اخبارها الصبغة
المحلية التي كثيرا ما تجعلها بدون فائدة بالنسبة للعالم الخارجي. فتشبه في ذلك البضاعة القليلة الجودة
التي تنتجها دول العالم الثالث والتي لا تروج الا في السوق المحلية.
إضافة الى الشبكة البشرية التي توظفها
الوكالات، تمثل موارد الوكالات والأسواق، التي تسيطر عليها خارج بلد المقر، بعدا
آخر يجسّد الصفة العالمية للوكالات الكبرى.
وتنتج الوكالات حجما ضخما من الكلمات وهي وحدة قياس كثيرا ما تستعمل لإبراز الناحية الكمية للإنتاج الإعلامي للوكالات. فاذا اعتمدنا المصدر المذكور سابقا وهو اللجنة الدولية لدراسة مشاكل الاعلام، نلاحظ ان وكالة اسوشيتدبرس انتجت مثلا خلال سنة 1978 معدلا يوميا يساوي 17 مليون كلمة. اما يونايتد برس فقد انتجت 11 مليون كلمة يوميا ونصل بذلك الى ارقام اقل ارتفاعا بالنسبة لفرانس برس التي انتجت حوالي 3 ملايين 350 ألف كلمة اما رويتر فقد انتجت مليونا وخمسمائة ألف كلمة يوميا.
لا يمكن تصور أهمية هذه الأرقام الا اذا قورنت
بارقام اكثر تواضع. فعلى سبيل المثال ذكر الأستاذ عبد الله هليل مدير عام وكالة
الانباء السعودية أخيرا في رد على سؤال لطالب في الصحافة، نشر في الجزيرة في 2
نوفمبر 1972 ان حجم الخدمات التي تقدّمها الوكالة يكاد يصل الى ستين الف كلمة
يوميا.
وهنا نذكّر القارئ ان صفحة كاملة من صفحات الجزيرة، لا يمكن ان تحتوي على أكثر من 3500 كلمة، أي ان نشرة وكالة الانباء السعودية يمكنها وحدها ان تغطي حوالي 108 صفحات. واذا قمنا بنفس العملية الحسابية فيما يخص انتاج يونايتدبرس الذي بلغ كما ذكرنا 17 مليون كلمة يوميا سنة 1978 نجد انه في امكان هذه الوكالة يوميا انتاج 4850 صفحة من صفحات الجزيرة.
منافسة مهذّبة
ونتيجة لهذه الطاقة الكبرى في انتاج المعلومات
تكتسح الوكالات العالمية اسواقا مختلفة وتكسب حرفاء عديدين في مختلف الأقطار،
زيادة على حرفائها داخل بلد مقر الوكالة.
فليونيتد برس 2240 مشتركا خارج الولايات
المتحدة من بين حوالي 7000 مشترك في الجملة وتعتبر الوكالات الصغيرة في مختلف دول
العالم من بين حرفاء هذه الوكالة العالمية.
ويبلغ عدد حرفاء روتر 6500 جريدة وحوالي 400
محطة إذاعة وتلفزيون اما بالنسبة لوكالة تاس فيصل عدد حرفائها الى 13 الف من بينهم
325 خارج الاتحاد السوفييتي.
هذا بصفة مجملة ولكن يجب ان نذكر ما يلاحظه اهل
الاختصاص، من انه وقع في الحقيقة تقسيم السوق العالمية بصفة غير صريحة. فكل وكالة
تتمتع بنوع من الأولوية الفعلية تجعلها تركّز على سوق دون سوق ولكن هذا لا يعني
انتفاء المنافسة تماما، ولكن ما يمكن ان نجزمه هو ان المنافسة القوية التي تنهك
قوى كل الوكالات المتصارعة ليس لها وجود في الواقع بل هناك منافسة مهذّبة، ويرتبط
هذا التقسيم العملي للسواق العالمية في
مجال الاعلام بعناصر تاريخية. فوكالة فرانس براس مثلا متواجدة في الدول
الفرنكفونية بحكم الاستعمار الفرنسي والاثار الثقافية واللّغوية لهذا الاستعمار (
وجود جرائد باللغة الفرنسية، حنين بعض القادة بحكم تكوينهم الى الحضارة الفرنسية).
اما وكالة رويتر فلها تواجد قديم بدول الكمنويلث التي كثيرا ما تستعمل اللغة الإنجليزية
و تعتبر أمريكا اللاتينية مجالا
شاسعا لاسوشيتدبرس و يونيتدبرس الامركيتين .
اما وكالة تاس فلها رواج يكاد لاينافس في
دول أوروبا الشرقية اضاقة الى بعض دول العالم الثالث .
ولكن هذا لاينفي مثلما اسلفنا تنافسا جزئيا
بين وكالتين قد يأخذ صبغة حادة نذكر على سبيل المثال التنافس الذي وقع خلال
السنوات الاخبرة في منطقة المشرق
العربي بين رويتر و فراتس برس فاذا كان
تواجد فرانس بريس يعدّ تقايديا في بلدان المغرب العربي بحكم الاستعمار الفرنسي
السابق لهذا النجاح من العالم العربي ، فان المشرق كان يعدّ سوقا
تقلدية لرويتر ولكن تمكنت وكالة فرانس برس من التغلغل في هذه السوق
على حساب رويتر و استغلت لصالحها
الصورة التي نجح الجنرال ديجول في تمريرها و التي تقدّم فرنسا كصديقة للعرب
في صراعهم مع إسرائيل .
ومحاولة
كسب نسبة من سوق المشرق العربي
جعلت فرنس برس تبعث نشرة
بالعربية هي ترجمة للأخبار المحررة
بالفرنسية و تقوم وكالة الشرق الأوسط
للأنباء بالقاهرة بهذه المهمة في
نطاق اتفاقية ثنائية بين فرانس برس و الوكالة المصرية.
يقول المثل عادة الشجرة لا يجب ان تحجب الغابة وذلك لدلالة على ان
الكلّ اهم من الجزء حتى وان كان هذا الجزء
بارزا و في الواقع فان هذا المثل لا يصحّ في مجال الوكالات فغابة الوكالات التي
تعد حاليا بالعشرات اذ يحاول كلّ قطر ان ينشئ وكالة مثلما يحاول كل قطر بعث محطة
إذاعة او تلفزيون او جامعة، متكونة من شجيرات عديدة تبرز منها خمس أشجار تمثل في
الحقيقة الغابة كلّها .
الجزء الأول و الثالث:
الوكالة الصحفية او صحافة الخفاء
الوكالات العالمية...محور جدل على المستوى الدولي.