كلما أدّبني الدّهر أراني نقص عقلي

و اذا ما زدت علما زادني علما بجهلي

الامام الشافعي


dimanche 2 octobre 1994

الى طلبة الصحافة... كلمات...أحفظها تحفظك.

المهدي الجندوبي

وثيقة تعليمية تم توزيعها على طلبة الصحافة في التسعينات من القرن الماضي.

 

لنتّفق على قاعدة عمل. أنت صحفي كل يوم، كامل اليوم. و يتمثّل جوهر عملك في أن تكون ملاحظا للكون، ترصد وقائعه و ظواهره و تحاول فهم معانيها و تبدي رأيك فيها، لحساب وليّ نعمتك، المواطن القارئ و المستمع و المشاهد الذي يمنحك وقته و ماله.

عليك أن تننجز الأعمال التي يقترحها عليك (أو يأمرك بها) رئيس التحرير أو رئيس المصلحة و لكنك قادر و راغب على تسيير نفسك بنفسك فتبادر بتصور و اقتراح المواضيع و تجتهد في اقناع من يهمه الأمر بوجوب ادراجها و تخطط لانجازها و تلزم نفسك بما لا يلزمك به غيرك.

درست سبع عشرة سنة قبل التحصل على اجازة تجعلك من القلة الذين أنهوا التعليم العالي في تونس، فلا تستخفّ بنفسك و لا تغترّ. الاجازة تجعلك تنتمي الى فئة اطارات التصوّر و هي اعلى فئة في المؤسسات بعد أعوان التنفيذ و التحكّم. 

مهنتك أن تساهم في انتاج الذكاء و تجعله متاحا للآخرين. العمل الصحفي هو عمل فكري بالأساس في نسق صناعي.

نقول في تونس "أعطي لنفسك كار" و أضيف بدون أن تفقد التواضع. اجازتك اعتراف مدرسي لكفاءات ستكون في كل لحظة موضوع اختبار من قبل أعرافك و زملائك و قرائك. فعليك أن ترفع التحدي حتى يقال "كي قرايتو كي بلاش".

لا تطلب مودّة الآخرين، بل أطلب احترامهم...و الاحترام يفتكّ و يستحقّ.

قد تجد حولك من يفهم هذا الأسلوب و يقدّره و قد لا تجد. فلا تيأس فيؤدي بك يأسك الى الارتداد الى سياسة الحد الأدنى التي تريحك من الكثير من الأتعاب و لكنّها بدون شك تقتل طموحك و تشلّ ابداعك و تضيع عليك فرص تطوير خبرتك و تحرمك من الاعتراف بقدراتك على المدى البعيد.

استمع الى غيرك

اقرأ ما كتبه الآخرون

تحدّث مع من حولك

ثمّ عد الى نفسك، ثم تأمّل، ثم اعمل رايك الشخصي ثم اكتب. مج. 

صيغة ثانية لنفس الوثيقة

 

سلوكيات الصحفي الطالب

 

1) تابع الأحداث الجارية بصفة منتظمة : استمع إلى نشرات أخبار الإذاعات و القنوات التلفزيونية و إلى مختلف برامجها الإخبارية الأخرى، طالع ما يتوفر لديك من جرائد و مجلات تونسية أو بحرينية و عربية و أجنبية و تصفّح مواقع الويب الإخبارية. تبادل بعض العناوين مع زملائك لتوسيع اطلاعك و تخفيف المصاريف. متابعة الأخبار خبز الصحفي اليومي...لا نخبر قبل أن نستخبر.

2) اجعل من اهتمامات الناس ومشاغلهم و أحاديثهم مشغلا رئيسيا بالنسبة إليك و كن حريصا على الانتباه إليهم والاستماع إلى أفكارهم و التحدّث معهم : فهم موضوعك الرئيسي في كل مقالاتك...و هم جمهورك.
تحدّث معهم عن كل شيء...عن الحياة. تحدّث مع المعلم عن تجاربه التربوية و عن الإخفاق المدرسي و أسبابه و تحدّث مع المزارع عن الماء و عن تسديد القروض و مع التاجر عن السوق و فرص الاستثمار و مع النائب البلدي عن النظافة والساحات العامة و الرسوم البلدية و تحدث مع العاطل عن العمل عن صعوبة الحياة و عن آماله في الحصول على شغل و تحدث...و...و...

3) طالع كل يوم صفحات من كتاب في التاريخ أو الأدب أو السياسة أو الفنون أو الاقتصاد أو الفقه و غيرها من المعارف التي تساعد على فهم الكون. مهمة الصحفي آن يلاحظ المجتمعات البشرية فيخبر و يشرح و يبدي رأيه في الأحداث والوقائع و الأفكار، فكيف يقوم بهذا الدور دون الاعتماد على ذكاء الآخرين؟ أليس الكتاب ذكاء الآخرين محفوظ على ورق؟                  
لا تقتصر على المطالعة باللغة العربية بحجة انك ستكتب مقالات باللغة العربية إذ هناك فرق جوهري بين مرحلة البحث عن المعلومات و الوصول إلى المصادر و مرحلة التحرير و الصياغة النهائية .
لا تحتج بقلة الوقت لتبرير قلة مطالعاتك، فإذا كنت حقيقة مشغولا كامل اليوم يمكنك استعارة ربع ساعة كل يوم من ساعات النوم و هكذا توفر لنفسك 15 دقيقة ×365 في السنة دون عناء يذكر.
 

4) الصحفي مطالب بالحديث عن الكون، و يبدأ الكون بالنسبة إلى قرائك من تونس أو البحرين ( راجع مفهوم القرب في قيم الخبر).
ماذا تعرف عن تونس أو البحرين؟ خصص يوما كاملا في العطلة القادمة لكتابة خلاصة ما تعلّمته في كل سنوات الدراسة و ما حصل لديك من تجربتك الشخصية دون الرجوع إلى أي مصدر آخر سوى ذاتك. راجع ما كتبته بعد بضعة أيام وقد تشعر بالحاجة إلى استكمال اطلاعك حول اكثر المواضيع تناولا في مختلف مقررات سنوات الدراسة. ابدأ بالاطلاع على ما كتب حول تونس أو البحرين في الموسوعات، ثم خطط لقراءة كتب في التاريخ و الجغرافيا و الأدب تكون تونس او البحرين موضوعها الرئيسي.وجه مطالعاتك حول موضوع محدد كأن تطالع مجموعة من الكتب حول كتاب الرواية في تونس او البحرين أو الزراعة في تونس أو البحرين أو مدارس الفكر السياسي المعاصر في تونس او البحرين أو حقبة الاستعمار الفرنسي أو البريطاني أو مذكرات شخصيات وطنية. كن متأكدا أن الكثير من مقالاتك في السنوات القادمة سيكون موضوعها الدائم سياسة تونس او البحرين وأدبها و مسرحها واقتصادها و تقاليدها و حضارتها. ما تتم قراءته اليوم سيثري بالضرورة ما ستكتبه غدا.

5) كن حريصا من الآن على اكتساب و تطوير أدوات العمل الصحفي و سلوكياته الرئيسية (دفتر تدوين الملاحظات، أجنده الأحداث المتوقعة، دفتر عناوين المؤسسات وغيرها من المصادر التي ستحصل عليها أثناء أعمالك الميدانية، ملفات توثيق شخصي تحفظ فيه قصاصات المقالات الجيدة التي تقتطعها من الجرائد و المجلات).

6) إن لعبة الصحفي الصغير التي تتمثل في أن تقنع نفسك انك صحفي قبل الحصول على الوظيفة هي افضل مكمّل لمقررات الإعلام.حاول استغلال بعض وقت فراعك لحضور مختلف الأنشطة الثقافية التي تنتظم في الجامعة أو المعلنة في فضاءات تونس العاصمة أو المنامة الثقافية : المحاضرات و العروض المسرحية و معارض الفنون التشكيلية و المؤتمرات,,,فهي فرص تثقف و تدريب في آن واحد إذ يمكنك أن تستغل حضورك لإنجاز تغطيات صحفية أو كتابة مقالات رأي تبادر بها دون طلب من أساتذتك. لا تتردد في عرض هذه المقالات على زملائك ولا تستخف بملاحظاتهم و حاول مراجعة نصوصك و إعادة كتابتها لتكون اكثر استساغة عندهم، فهم عينة من قرائك في المستقبل.

7) مهنتك أن تروي الحياة و أداتك هي اللّغة فلا تضيّع فرصة في تطوير قدرتك على التحرير السليم و لا تتصور خطأ أن التحرير يقتصر على الصحافة المكتوبة. يكتب الصحافيون في الإذاعة و التلفزيون و في الصحافة الإلكترونية مثل زملائهم في الجرائد و المجلات. فأن كنت تريد إن تعمل في أي حقل من حقول الإعلام و الصحافة فلا حيلة لك خارج الكتابة. لا تضيع عليك الوقت لاستكمال تكوينك في التحرير و ألزم نفسك بكتابة نص يومي حول أي موضوع يسترعي انتباهك : لخص مقالا قرأته، أو أنقد مسرحية شاهدتها، أو حرر خبرا حول محاضرة حضرتها أو اكتب رأيك في نظام الامتحانات بالجامعة. تتعلم المشي  بالمشي و الكتابة  بالكتابة.

8) القواميس و الموسوعات سندك في التحرير، فكن حريصا على اقتنائها كلما سمحت لك إمكانياتك و ضعها على مقربة من مكتبك ولا تتردد في العودة إليها قبل و أثناء و بعد التحرير و في كل لحظة تحتاج إلى فهم او تدقيق مصطلح.

9) تعوّد على ضبط قائمة الأعمال التي يجب انجازها في الساعات و الأيام القادمة مع تحديد آجال إنهائها. ألصق على جدار مكتبك أهم هذه الأعمال.

تحدث...مع الناس.
أستمع...إلى غيرك.
اسأل... من حولك.
اقرأ ...ما كتبه الآخرون.
ثم ...عد إلى نفسك و فكّر و تأمّل و أعمل رأيك الشخصي...ثم اكتب.

مواضيع ذات صلة: