رسالة مفتوحة الى طالب مناضل و رفاقه
المهدي الجندوبي استاذ
بمعهد الصحافة
الموقف الجمعة 14
ديسمبر 2001| 29 رمضان 1422 هج عدد 219، ص:3.
بعد حوالي نصف ساعة من انطلاق درسي يوم الجمعة 1 رمضان بحضور حوالي 10 طلبة اي تقريبا ثلث المرسمين، فتح باب القسم و حاولت مجموعة من الطلبة لا تنتمي الى الدرس اخراج الحاضرين و دعوتهم الى الالتحاق بالاضراب الذي اعلنت عنه نقابة الطلبة.
خاطبت مجموعة الطلبة التي اجتمعت امام قسمي و قلت انني بقدر ما احترم قرار من التحق بالاضراب احترم ايضا قرار من اراد الالتحاق بالدرس و أنا ضامن لممارسة حقهم خارج اي ضغط، و طالبت بغلق الباب و اعدا أن أترك الحرية لكل طالب بالبقاء او مغادرة القاعة.
و أغلق الباب فعلا
نتيجة تفهّم المجموعة التي حاولت اقتحام القسم. و خيرت طلبتي بين البقاء و مواصلة
الدرس و بين المغادرة، فتمسّك الحاضرون بمواصلة الدرس. و فتح الباب من جديد بدون
اسنئذان و أعلمت المحتجين ان الدرس سيتواصل و أنه لا يحق لهم فرض ارادتهم، فمن
حقهم الاضراب و من حق غيرهم حضور الدرس.
و لم تقبل المجموعة هذا
القرار و واصلت الضغط، فهزمت في قسمي و قررت ايقاف الدرس و شعرت بمرارة و أنا أنظر
الى طلبتي يغادرون القاعة.
حادث بسيط يمكن أن يمرّ
في طي الكتمان و يحتسب في قائمة أخطاء الشباب (أما عن أخطاء الكهول فحدّث و لا
حرج)،و ماذا تمثل حصة درس أو مرارة استاذ في سيل الأحداث؟
و لكن اليس من الأفضل،
و نحن في الجامعة ان نعمل الرأي و نفكر في ممارساتنا و مدى انسجامها مع الأهداف و
القيم التي نعلن اننا ندافع عنها؟
أيها الطالب الذي انتصر
أمام استاذه و فرض ارادته على قسم من زملائه، إعلم أن الذي انهزم ليس هذا المعلم
الذي قارب الخمسين و أنت ابن العشرين و حاورك بالحسنى لأنك مكسب تونس الوحيد، و
لكن الذي انهزم على عتبة قاعة من قاعات الجامعة، هو غدك الحالم لأن غدك تصنعه
ممارساتك اليوم.
حلمنا جميعا أن نعيش في
وطن تحترم فيه ارادة كل فرد، فكيف تشكو من التسلط و تفرض أنت تسلطك على غيرك بمجرد
انك وجدت نفسك في ميزان قوى عددي يسمح لك بذلك؟ ألا ترى أن متجبرا خفيا يسكنك و
أنت شاب، فكيف ستكون و أنت كهل؟ أما عن موازين القوى فهي متغيرة.
نقابتك أعلنت اضرابا،
اقتنع به البعض و لم يقتنع به البعض الآخر فمن حقك ان تجتهد في شرح اسباب هذا
الاضراب ما دمت خارج قاعة الدرس و لكن عندما تحاول اقتحام القاعة و مخاطبة زملائك
بدون استئذان و تصر على الضغط عليهم ليلتحقوا بالاضراب فانك تنتهك كرامة الأستاذ و
لا تحترم حرمة الدرس و تسقط في تناقض خطير. فنقابتك تدافع عن حرمة الجامعة و
استقلالية المجال الأكاديمي و هو مطلب شرعي و أنت تنتهك حرمة الدرس و هو اللبنة
الأولى لحرمة الجامعة. و الدفاع عن الجامعة مسؤوليتك الفردية كما هي مسؤولية
الجميع لأنها ملك الجميع.
هذا ما أوحته لي مرارتي
و أنا اراجع نفسي على هزيمة تربوية جديدة تضاف الى هزائم سابقة عشتها في حياتي
المهنية منذ عقدين. عسى ان يكون هذا الحوار باب الفرج.
ملاحظة : من أحلى اللحظات التي اذكرها بعد
صدور الرسالة في جريدة الموقف،أنني إلتقيت يوما في شارع الحبيب بورقيبة الطالب
المعني الذي تزعّم المجموعة و لم أكن أعرفه سابقا و صافحني بود معتذرا على الحادثة و كانت إجابتي وقتها أن لكلّ منا دوره فهو يتحرّك كطالب شاب و أنا أتحرّك كاستاذ، و أجمل من ذلك أنني بعد فترة إطلعت صدفة
على نشرية نقابية طلابية نمّ توزيعها في المعهد و خصّصت فقرة لهذه الحادثة مقدّمة
إعتذارا الى الأستاذ المهدي الجندوبي و لا أظنها وقتها عادة منتشرة أن تعتذر نقابة
على تحرّك نضالي. كل لحظة أزمة نتعامل فيها بالحوار و بالكتابة الهادئة لا يمكن
إلاّ أن تكون لحظة إرتقاء و تجاوز. أسفي انني لم احتفظ بالنشرية و لعلّ بعض من سيطّلع على هذه الكلمات على علم بالموضوع.