د.المهدي الجندوبي
رأي اليوم 3 ديسمبر
2014
مع نتائج الرئاسية
التي ستفصح عن رئيس تونس الجديد و تنهي مرحلة انتقالية انطلقت منذ 14
جانقي2011 ستتضح أكثر خارطة موازين القوى
التي عرفت تقلبات عديدة سببها أن تونس بعد حوالي 60 سنة من الاستقلال تبحث عن
أسلوب حكم جديد و عن قيادات أكثر تمثيلا لعمق المجتمع و تنوعه و أكثر قدرة على
مجابهة تحديات المرحلة.
الباجي و المرزوقي شخصيتان متناقضتان.
فالدكتور منصف المرزوقي
طبيب و لكنه على فصاحة باللغتين العربية و الفرنسية نلمسها في العديد من كتاباته و
هو أكثر السياسيين التونسيين الحاليين كتابة و نشرا في قضايا الشأن العام، و الأستاذ
الباجي قائد السبسي محامي نشر مذكراته في حقبتي النضال الوطني و فترة الحكم الذي
ساهم فيه فور انتهاء الدراسة الجامعية في الخمسينات من القرن الماضي و كاتب مقالات
في السياسة الدولية نشرتها له سابقا جريدة الجزيرة السعودية و غير معروفة في تونس،
يجمع بين لغة شعبية نافذة إلى أعماق المواطن البسيط و خاصة الجيل الذي يذكر خطابات
الرئيس بورقيبة باللغة العامية و لكنه أيضا قادر على بلاغة عربية تميّزه في الوسط السياسي
التونسي و يستحضر عن ظهر قلب في تدخلاته العديد من الآيات القرآنية التي تشدّ
انتباه المواطنين إضافة إلى عبارات عامية أعادها إلى مسامعنا بعد أن كدنا ننساها.
و بينما قضى الأستاذ الباجي جانبا كبيرا من عمره
في السلطة و تقلّد العديد من المناصب تعطيه مصداقية أكبر بعد تعثّر قيادات ما بعد
الثورة في إدارة دواليب الحكم، قضى منافسه الدكتور المنصف المرزوقي عمره في هامش
الحياة السياسية التونسية التي احتكرها الحزب الحاكم و ناضل في مجال حقوق الإنسان
قبل أن يدخل معترك المعارضة العلنية و ما نتج عنها من طرد تعسفي من العمل في خطة أستاذ
في كلية الطب و سجن انفرادي و إن قصرت مدّته بالنسبة لقيادات إسلامية جاوزت 15
سجنا مثل السيد حمادي الجبالي و السيد علي
العريض اللّذان ترأسا الحكومة بعد انتخابات 2011 و قيادات يسارية و نقابية قضت
العمر بين السجن و السرية و الحرية المراقبة أمنيا، هذا إضافة إلى تجربة المهجر و
هي مساهمات نضالية تعطي أيضا للمرزوقي
تعاطفا حقيقيا في شعب احتار بين ثورة لا يريد لها أن تنتكس و دولة عاين ضعفها و
سوء إدارتها على أيادي مناضلة و محدودة التجربة، و خاف عليها أن تضيع و تتفكك خاصة
بعد أن تحولت ظاهرة الإرهاب إلى مشغل يومي، و أمثلة تلاشي الدول عديدة من حولنا.
و الباجي من أنصار
بورقيبة الذي خاض في بداية الاستقلال معركة انشقاق الحزب الحر الدستوري الذي انقسم
إلى شق يوسفي (نسبة إلى الزعيم الدستوري صالح بن يوسف) رافض للاستقلال الداخلي في
اتفاقيات 1955 و شق بورقيبي يقبل بسياسة المراحل التي عرف بها زعيم تونس.بينما
المرزوقي ابن مناضل دستوري من شق الزعيم صالح بن يوسف الذي خسر معركة زعامة الحزب
بعد رفضه قبول الاستقلال الداخلي، و أجبرت عائلة المرزوقي على المنفى في المغرب.
فهل هناك معركة أوديبية خفية بين المرزوقي و الباجي خاصة إذا اعتبرنا فارق السن
الذي يناهز 30 سنة بينهما؟.
و المرزوقي بعد صراع
فكري في مطلع الثمانينات مع الاتجاه الإسلامي و هي التسمية السابقة لحزب حركة
النهضة و قد سبق له أن كتب مقالا في جريدة
المعارضة "الرأي" ندد فيه بمطالبة حركة الاتجاه الإسلامي مطلع
الثمانينات، إجراء استفتاء حول مدى قبول التونسيين لمجلة الأحوال الشخصية أول
إصلاحات العهد البورقيبي التي قننت نظام الأسرة في تونس و منعت تعدد الزوجات و
منحت المرأة نفس حقوق الرجل في تطليق نفسها مع وجوب المثول أمام قاضي مدني، منذ
مطلع الاستقلال و لكن المرزوقي قرب من النهضة و نال تقديرها عندما دافع في
التسعينات من منطلق حقوقي على الإسلاميين ضحايا التعذيب و تحالف معها لاحقا في
معارضة حكم بن علي قبل إنشائه لحزب "المؤتمر من أجل الجمهورية " و ووصل إلى
الرئاسة المؤقتة بعد الثورة بتصويت نواب النهضة سنة 2012في نطاق تحالف الترويكا.
بينما بقي الباجي ملتزما برفض مفهوم الإسلام السياسي معتبرا أن تونس مسلمة منذ 14
قرن و أن الأحزاب مجال نشاطها مدني محض.
و في السياسة
الخارجية سعى المرزوقي إلى إدخال مواقف غير معهودة في تقاليد السياسة الخارجية
التونسية رغبة منه في خلق انسجام بين "متطلبات الثورة الداخلية" و
المواقف الخارجية مثل نقد بعض الأنظمة العربية أو قطع العلاقات مع سوريا بينما
يبقى الباجي متمسكا بالمنهج البراقماتي الذي يربط بين الحجم الصغير لموارد تونس و
التزامها بالحياد الكامل و خدمة مصالحها أولا و عدم التدخّل في سياسات البلدان
الشقيقة.
"المؤتمر" و "نداء" تشابه رغم الاختلاف
حزب المؤتمر من أجل
الجمهورية و حزب نداء يتشابهان في نشأتهما حول كل من شخصية د. المنصف المرزوقي و
شخصية الأستاذ الباجي قائد السبسي.
يقول د.المرزوقي
مازحا في كتابه "ابتكار الديمقراطية دروس التجربة التونسية" الصادر باللّغة
الفرنسية سنة 2013 أنه سمع مخاطبا يقول له "حزبك لا يمثل شيئا و لا يتجاوز 10
أشخاص" فردّ المرزوقي بل نحن كنا 6
أشخاص سنة 2001 عندما تم بعث الحزب.
برز د.المنصف
المرزوقي على الساحة العامة التونسية بمقالات نشرت في جريدة الرأي التي أنشأها في
نهاية السبعينات المرحوم حسيب بن عمار وزير سابق لبورقيبة آمن بحاجة تونس إلى إصلاحات
ديمقراطية في خط قاده بجدارة الأستاذ أحمد المستيري المناضل في حزب الدستور في
الحقبة الاستعمارية و الوزير السابق في
حكومة الاستقلال، و مثلت جريدة "الرأي" مختبرا فكريا و نضاليا لكثير من
القيادات الحالية التي تصدرت مشهد ما بعد الثورة. و لم يعرف عنه نشاط حزبي مبكّر
مثل العديد من السياسيين التونسيين الذين دخلوا السياسة في الجامعة مع نيل شهادة
الباكلوريا (نهاية الثانوية العامة)، و لكنه ترأس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان
التي عرفت باستقلاليتها و فاجأ الجميع سلطة و معارضة بإعلانه نية الترشّح ضد بن
علي و قد تكون تلك مرحلة خروج المرزوقي من العمل الحقوقي المحض إلى الفعل السياسي
المباشر.
و تميزت العشرية
الثانية من حكم بن علي بتضييق شديد لمجال النشاط العام إلى درجة أن السيد راشد
الغنوشي وجد عبارة بليغة لخّص فيه الوضع في تونس عندما قال " قتلت السياسة في
تونس" و هي حقبة تميزت بضعف دور الهياكل الحزبية و تنامي دور "البطولات
الفردية" متمثلة في شخصيات تغامر بمصالحها و أمنها لإحراج السلطة و كأنها
تريد أن تعطي مثالا و أن تكون قدوة تجرّ الآخرين الذين شدهم جدار الخوف إلى أساليب
احتجاج "مقبولة" و أقل ضرر في
نطاق المعارضة الرسمية أو السعي إلى "الإصلاح من الداخل" او حتى
الاقتصار على الموالاة السلبية مثل خيار
"الصمت أفضل من التأييد" و هو ما يعرف في تونس ب "سميق
الكرامة" نسبة إلى مختصر "سميق" الذي يدل بالحرف اللاتيني على
الأجر الأدنى الذي تحدده قوانين الشغل السارية في تونس.
و نشر الكاتب
السياسي و المعارض الشّرس لحكم بن علي توفيق بن بريك مقالا بالفرنسية قبل بضعة
أشهر من الثورة تحت عنوان " أربعون بعوضة تنغّص قيلولة بن علي" و هو
أحسن شاهد على هذه الحقبة الفردية و "المغامرة" كشكل من أشكال الفعل
السياسي عندما يعسر العمل الجماعي و المؤسساتي. و الطريف أن بعد الثورة خرجت علينا
فيايلق من المناضلين الأشاوس تتنافس على شرعية قيادة المرحلة تجاوزت بكثير إحصائية
توفيق بن بريك رغم درايته عن قرب بعالم المعارضة التونسية و رصده لها بدقة منذ
تسعينات القرن الماضي.
المرزوقي أو عودة الابن البار إلى حزب المؤتمر بعد 2014
نتائج انتخابات
أكتوبر 2011 كانت مفاجأة سارة للمرزوقي و رفاقه تجاوزت توقعاتهم لأن "المؤتمر"
تحصّل على المرتبة الثانية بعد النهضة و حصل على 29 نائب من مجموع 217 مما أهله
للدخول في تحالف تمت تسميته الصحفية بالرويكا و تم انتخاب د.المرزوقي من قبل
النواب رئيسا في نطاق تقسيم السلطة بين المكونات الثلاث للتحالف الحاكم سنة بعد
الثورة.
و ما أن تفرّغ
المرزوقي لرئاسة الجمهورية حتى انفجر حزبه إلى أربعة أجزاء تشكلت في أحزاب متصارعة
و دخلت متنافسة إلى انتخابات 2014 و حصلت كلها مجتمعة على 7 مقاعد. و هذا يؤكد أن
تماسك حزب المؤتمر شديد الارتباط بشخصية مؤسسه و لكنه يؤكد أيضا وجود قاعدة شعبية
فعلية و إن تشتتت و قلّت ثقتها في مشتقات "المؤتمر" و نرجسية زعاماته
المفرطة و إغراقهم في خطاب يستحضر "بطولات الماضي" أكثر من أنه يقّدم
حلولا لمشاكل اليوم.
تلاشى حزب المؤتمر
هيكليا و ضاعت أصواته سواء لأنها تشتت بين شخصيات و أجزاء حزبية أو لأنها هجرت إلى
أحزاب أخرى و لكن مفاجأة الدورة الرئاسية
الأولى التي مكّنت د.المنصف المرزوقي من جمع 33 في المائة بعد منافسه الباجي الذي
حصل على39 المائة تسمح من جديد لحزب المؤتمر في التفكير في "حياة ثانية"
و حضور فعلي مجددا في الساحة السياسية.
من البديهي أن
النسبة الكبرى من أصوات المرزوقي ما كان ليحصل عليها لو قدّمت النهضة مرشحا رسميا
و لكن الملاحظ المحايد لا يمكنه أن ينفي قدرة المرزوقي الذاتية على استقطاب
الأصوات و المساندة خارج حدود حزبه في كل الجهات و الشرائح و هذا ما عجزت عنه
مختلف قيادات حزب المؤتمر عندما فقدت عنصر وحدتها و مؤسس حزبها بعد تفرغه لرئاسة
الدولة.
هناك شرائح فعلية في
المجتمع التونسي تجد في خطابات المؤتمر صدى لتطلعاتها و النتائج في التشريعية لم
تفصح عن الحجم الحقيقي للقاعدة الاجتماعية التي يمكن للمؤتمر أن يستقطبها و في
صورة فشل د.مرزوقي في الدورة الرئاسية الثانية هناك طريق مفتوح جديد للمؤتمر ليعيد
توحيد ذاته و تطوير هياكله و استرجاع موقع مناسب في المشهد السياسي التونسي و
الدخول بجدارة في المعارك القادمة أي الانتخابات البلدية و الجهوية (المحافظات) و
لاحقا الرئاسية مجددا.
التمركز المفرط
للصراع في مستوى الحكومة و البرلمان منذ 4 سنوات مازال لم يسمح للتونسيين الانتباه
إلى أن الفضاء العام المحلي و الجهوي سيأخذ حجما غير مسبوق في الحياة السياسية،
نتيجة عملية إعادة توزيع السلطة التي اقرها دستور 2014 و ستصبح الجهات (المحافظات)
في العشرية القادمة، المنبت الطبيعي لقيادات تونس التي تشهد موجة عميقة لتجديد
نخبها غير مسبوقة منذ الاستقلال.
و هذه مفارقة لا يجب
الاستخفاف بها إذ سيمثل فشل د.المنصف المرزوقي في الرئاسية القادمة-إذا حصل- النبأ
السعيد لحزب "المؤتمر" الذي سيجد في عودة "الابن البار" أو
بالأحرى "الأب المؤسس" فرصة فعلية لعودة الروح إلى هذا الحزب الذي تأسس
في ظروف خانقة من غير ترخيص رسمي قبل الثورة و لم تسمح فترة السنة ما بعد الثورة
لرئيسه من تطويره بالقدر الكافي و سرعان ما انهار هيكليا بخروج رئيسه بحكم
مسؤولياته على رأس الدولة.
و هناك وجه شبه آخر
لا يقلّ أهمية بين حزبي نداء و المؤتمر مستقبلا. فكما مثّل "نداء" عنصر
توازن فعلي زمن الترويك يمكن أيضا أن يمثل حزب المؤتمر المتعافى و الموحّد بقيادة
مباشرة من د.منصف المرزوقي عنصر توازن جديد في زمن سياسي سيقوده حزب "نداء"
و ذلك إضافة إلى النهضة التي استقرت بحضور وازن و مريح في المشهد السياسي التونسي
بعد الحجم الذي تحصلت عليه في انتخابات 2011 و حافظت عليه تقريبا في 2014 رغم
خسارة بعض المقاعد، و الجبهة الشعبية التي كافأها الناخب التونسي عندما نجحت في
تجاوز تناقضات مكوّناتها السياسية الأصلية و عززت ذلك بنسبة مشرفة حصل عيها مرشحها
الأستاذ حمة الهمامي الذي احتل المرتبة الثالثة في الدورة الأولى لرئاسية 2014.
الباجي موحّد روافد "نداء تونس"
كذلك فان حزب "نداء"
تشكّل سنة 2012 بعد نجاح حزب النهضة في انتخابات المجلس التأسيسي في أكتوبر 2011 و
دخول تونس في مرحلة اتّسمت بعدم توازن واضح بين تيار الإسلام السياسي و التيارات
الأخرى التقليدية في الحياة السياسية في تونس مثل التيار الدستوري و اليساري و
القومي. و هذا الفراغ نتيجة طبيعية لتآكل
و انهيار حزب التجمّع الدستوري الديمقراطي الحزب الحاكم منذ عدة عقود بعد أن خاض
معركة الاستقلال و بناء الدولة و خاض معارك الإصلاح الاجتماعي و هرم في السلطة و
مسّه الترهل و الفساد و انقطع على قاعدته الاجتماعية و احتكر قيادة الدولة و أقصى
بشراسة كلّ خصومه.
اكتشف التونسيون من
جديد الباجي قائد السبسي بعد انقطاع طويل عن السياسية عندما تم تكليفه في ظروف
صعبة بعد الثورة تميزت بانهيار شبه كامل للسلطة، بالوزارة الأولى بعد استقالة
السيد محمد الغنوشي الذي واصل قيادة الحكومة حوالي شهرين بعد ثورة جانفي(يناير)
2011 و نجح الباجي في قيادة أجهزة الحكم بجدارة و سلّم السلطة إلى حكومة الترويكا المنتخبة
في مشهد بديع لتسليم الحكم نراه لأول مرة في تونس.
و استطاع الباجي أخذ
الكلمة لمخاطبة مباشرة للشعب التونسي عن طريق برامج خاصة تلفزيونية يقع الإعلان
عنها سويعات قبل بثها، في مناسبات محفوفة بالمخاطر و الحيرة و الانتظار، جمع فيها
بين لغة عربية فصيحة و أسلوب عامي يجلب تقدير النخبة و يصل في نفس الوقت إلى
العامة ،و هو أسلوب لم يعد معهودا في الخطاب العام في تونس منذ 3 عقود بعد أن فقد
التونسيون خطابات الرئيس الحبيب بورقيبة قبل ترهله في الحكم و كامل فترة حكم بن
علي الذي كان يقرأ حرفيا خطبا جافة كتبت بأسلوب التقارير الإدارية و يمنع بروز خطباء
بلغاء من بين أقطاب الحكم.
بعد غياب الدستوريين
من الساحة العامة سنة 2011 و انحسار الخطاب الديمقراطي اليساري و كذلك القومي في النخبة أصبح المجتمع التونسي
أرضا سهلة نسبيا لخطاب الإسلام السياسي في طبعته المعتدلة التي وضعتها النهضة أو
في طبعاته المتشددة لمختلف التنظيمات الإسلامية شديدة التأثر بالمدرسة الوهابية.
و في هذه الظروف
تحرّك الكثير من الناشطين السياسيين في اتجاه دعوة الأستاذ الباجي إلى قيادة جبهة
عريضة توحّد شتات التنظيمات الديمقراطية الحداثية في شكل تنسيقية أو
"كنفدرالية تنظمات" و لكنها تطورت بعد ذلك إلى حزب جديد تشكّله "روافد"
دستورية و يسارية و حقوقية و نقابية تذكرنا بتجربة "المنابر" في الحزب
الاشتراكي العربي في بدايات حكم الرئيس أنور السادات مطلع السبعينات قبل نشأة
الحزب الوطني.
إن الكثير من
التناقضات و الصراعات الشخصية تميّز هذه "الروافد" و لكن أسمنتها
المسلّح الذي يحظى باحترام الجميع هو رئيس الحزب الأستاذ الباجي قائد السبسي.فهل
سيكون مستقبل "نداء" شبيه بالماضي القريب لحزب "المؤتمر"؟
هل ستتكرر تجربة
المؤتمر المريرة في نداء؟ آي بعد تفرّغ الباجي مستقبلا للرئاسة هل يمكن أن يحافظ
نداء على توازن روافده و تماسكها و هل يمكن أن ينتقل من حزب تشكّل حول شخصية
كارزماتية تحظى باحترام الجميع إلى حزب له قيادة جماعية عقلانية ترشّد الزعامتية
التي تنعش القادة و تحفّزهم و لكنها تنهك الهياكل و تشتتها و كم قائد يتصور انه منقذ
حزبه و لكنه يكتشف بعد فشل متكرر انه أكثر من يفكك الجهاز و يكسّر آلة النجاح و
شرطه في الحياة السياسية المعاصرة؟
تجربة الحكم التي
سيخوضها نداء يمكن أن تكون سببا لتعزيز الحزب عن طريق إتاحة الفرصة للعديد من
القيادات لممارسة القرار و الحصول على مكافأة معنوية و مادية تساعد على الانسجام و
الانضباط الحزبي، و على العكس من ذلك يمكن للحكم أيضا أن يكون سبب تعزيز المنافسة
و المرارة بين القيادات و لاحظنا هذا مؤخرا في تحديد قوائم المرشحين في تشريعية
2014 حيث هدّد من لم تثبت ترشحاتهم على القوائم الرسمية بالانسحاب من الحزب و خوض
الانتخابات في قوائم مستقلة أو الهجرة إلى تنظيمات منافسة.
عدم استقرار المشهد
السياسي منذ 4 سنوات و إن بدأت تتشكل بعض الملامح يجعل من الربح و الخسارة مفارقة
مفتوحة على الكثير من المفاجآت و لم يعد المشكل السياسي الأول في تونس الوصول إلى
السلطة، و لكن المعادلة الصعبة اليوم هي المحافظة عليها في حقبة متقلّبة و في
مرحلة تشهد انتظارات شعبية عريضة.
فهل سيكون فشل
المرزوقي في الرئاسية عودة الروح إلى حزب المؤتمر و فرصة ثانية لإعادة البناء و
التوحّد لخوض معارك البلديات و الجهويات (المحافظات) و الرئاسية لاحقا و هل سيكون
نجاح الباجي مشكلا جدّيا و اختبارا عسيرا "لنداء تونس" ومدى قدرته على المحافظة على سرّ نجاحه أي تنوّع "روافده"
و توازنها حتى لا يتحوّل إلى حزب يساري نخبوي مثل العديد من النسخ الأخرى المعهودة
في تونس و المصنّفة في خانة الأحزاب "الديمقراطية الاجتماعية و الوسطية"
حسب مصطلحات السياسة المحلية في تونس، أو يتراجع إلى "تجمّع" (نسبة إلى
الحزب الحاكم قبل الثورة) انقطع عن جذوره الدستورية التي سمحت له بقيادة فعلية
للحركة الوطنية و لدولة الاستقلال و تحوّل بالتقادم إلى آلة حكم عقيمة؟
سخرية الأقدار ثريّة
بمثل هذه المفارقات التي تحوّل الفشل إلى نجاح و النجاح إلى فشل.
المصدر الأصلي:
http://www.raialyoum.com/?p=187230
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire