كلما أدّبني الدّهر أراني نقص عقلي

و اذا ما زدت علما زادني علما بجهلي

الامام الشافعي


vendredi 26 décembre 2014

الدستور من النموذج النظري الى التطبيق

(...)" و إضافة إلى الإرادة السياسية لكل طرف تعيش تونس منذ دخل الدستور الجديد المعلن سنة 2014 مرحلة التطبيق تجربة الانتقال من نموذج نظري وضعه خبراء القانون و المناضلون السياسيون الذين أوصلتهم انتخابات أكتوبر 2011 إلى موقع القرار، التبعات العملية المستحدثة لهذا النظام السياسي التي قد لا تكون كلها متوقعة و التي لن تكتمل إلا بعد سنوات من الممارسة السياسية حسب القواعد الجديدة لأن الدستور أتي بمبادئ و مؤسسات ستفرز تدريجيا عن منطقها الداخلي الذي يفرض نفسه على كل الأطراف الفاعلة في الحياة العامة و يجبرها على تعديل و تطوير ممارساتها السياسية و طبيعة علاقتها مع بقية الأطراف سواء في وضعيي الصراع أو التعاون.

فعلى سبيل المثال تأكد مرتين في انتخابات التشريعية في 2011 و 2014 انه لا يمكن لحزب واحد الحصول على الأغلبية اللازمة و بالتالي التحالف أصبح أسلوب حكم شبه مفروض على كل المتنافسين و من دونه يصعب حكم تونس مستقبلا و التحالف لا يكون دائما مع الأصدقاء لأن الأصدقاء قد لا ترشحهم نتائجهم إلى لعب دور يذكر. 

كذلك حرص الآباء المؤسسون للدستور على الفصل بين رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة هروبا من هيمنة لرئاسة الجمهورية عرفتها تونس طيلة 60 سنة بعد الاستقلال و مكّن الدستور من إعطاء رئيس الحكومة صلاحيات عالية تعتمد على شرعية نيابية لأن الحزب الأكثري هو الذي يعود إليه اختيار رئيس الحكومة. و بينت نتائج الانتخابات الرئاسية لسنة 2014 أن الناخب التونسي لا يبالي بتعقيدات نخبته التي سعت إلى تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية اذ منح الناخب ثقته إلى حزب “نداء تونس″ في التشريعية و أصرّ في الرئاسية على منح ثقته إلى مرشح نداء تونس إلى الرئاسية الأستاذ الباجي قائد السبسي و كأنه يعيد من جديد لرئيس الجمهورية بريقا و حجما حاولت النخبة طمسه توقيا من انحرافات السلطة في العهد السابق".

مقتطع من : المرزوقي:فشل الرئاسية أو عودة الدرّ الى معدنه؟

المصدر الأصلي للمقال:




"توافق" فترة وضع الدستور على محك الواقع

"لكل من النداء و النهضة خيارات و ثقافات و ممارسات سياسية مختلفة و متناقضة تجعل منهما خصمين سياسيين أفقهما الطبيعي الصراع و لكن ثقافة "التوافق" التونسية جعلتهما - بعد صدام و رفض أدى بالنهضة إلى التغيب عن أول اجتماعات الحوار الوطني التي انطلقت تحت إشراف الرئيس المؤقت السابق د.منصف المرزوقي و رغم حضور السيد حمادي الجبالي رئيس الحكومة التي زكتها و قادتها النهضة بعد انتخابات المجلس التأسيسي سنة 2011- يتوجهان إلى التعاون و التشارك في الحكم سنة 2015. فكيف ستتراوح الخصومة السياسية و المنافسة الشرسة التي ستتأجج في كل مرحلة انتخابية مع التعاون و التحالف حتى في شكل مخفض الذي يشترطه الحكم المشترك؟.

من الطبيعي أن يشعر البعض من أنصار كل حزب و قسم من الناخبين الذين تغذوا من رفض الطرف الأخر و التخوّف منه، خيبة أمل و لكن يجب أن نشير إلى مسالة لا تحظى بالاهتمام الكافي حاليا و هي أن النظام السياسي الجديد الذي أسسه دستور 2014 بدأ يكشف تدريجيا عن منطقه الداخلي و يفرض على الأطراف السياسية أسلوبا جديدا لن يستكمل شكله إلا بعد سنوات من الممارسة و كأننا أمام آلة معقدة تم تصميمها على الورق و نكتشف مع بعض المفاجأة ما سيفصح عنه وضعها في الخدمة على ارض الواقع.

الإرادة السياسية لكل طرف لم تعد كافية وحدها و كل طرف يمارس السياسة حسب متطلبات الدستور و الرأي العام التونسي و هو في طور إعادة التشكّل و هي عملية بطيئة و لن تستقر ملامحها الفعلية على المدى القصير.

فتبين مرتين على سبيل المثال، في انتخابات 2011 و 2014 أن النظام السياسي التونسي الجديد و اختيارات الناخب تفرض التحالف كأسلوب حكم فهل ستكون تونس عصية على الحكم من غير تحالف؟

و بينما انتقد المعارضون في فترة حكم الرئيس السابق بن على، استحواذ مؤسسة الرئاسة على كل مقاليد الحكم و طالبوا بعد الثورة بتقليص صلاحيات الرئيس و تعزيز البرلمان الذي  يقترح حزبه الأكثري اسم رئيس الحكومة و يشترط تزكية الحكومة من النواب و هو ما اقرّه الدستور سنة 2014 نجد أن الناخب التونسي لا يعبأ بتعقيدات نخبته القانونية و المناضلة التي ساهمت في تحرير الدستور و لا يتأثر بالتخويف من "التغوّل" الذي ساد الحملة الانتخابية الرئاسية و يعطي مرتين القيادة لحزب النداء في البرلمان و الحكومة و رئاسة الجمهورية. فهل هذا سبق سيتكرر مستقبلا؟

كذلك يقر القانون الانتخابي وجوب الترشح في قائمات حزبية أو قائمات مستقلة و فتح الباب عريضا بعد الثورة لتنظيم الأحزاب و لكن الانتخابات كرّست مرتين غياب شبه كامل للمستقلين و استحواذ عدد قليل من الأحزاب بالأصوات. و جربت بعض الوجوه الوطنية أن النظام الانتخابي لا يكافئ الأشخاص و قدراتهم. فالأستاذ عبد الفتاح مورو مؤسس تاريخي للنهضة فشل في 2011 عندما ترشح على قائمة مستقلة منافسة لقائمة النهضة و نجح في 2014 عندما ترشح على قائمة النهضة.

من جهته استطاع رجل الأعمال أصيل مدينة صفاقس السيد محمد فريخة الحصول على عشرات آلاف الأصوات أهلته إلى دخول البرلمان على رأس قائمة النهضة و لكنه بعد شهر تقريبا حصل على عدد هزيل من الأصوات في الرئاسية لأنه ترشح بمبادرة فردية رفضت النهضة تزكيتها بل طلبت منه التراجع عن هذا القرار تجنبا للخلط لأن النهضة قررت عدم خوض المعركة الرئاسية. درس مرير تجرعه السيد فريخة بعد الشيخ عبد الفتاح مورو : الحزب يصنع الانتصار.

النظام السياسي الجديد و كذلك "رغبة" الناخب التونسي و ثقافته في هذا الطور من النضج السياسي تكافئ الأحزاب و تجعلها الوسيلة الطبيعية لخوض المغامرات الانتخابية.

هذه بعض ملامح النظام السياسي الجديد التي لا يمكن استنتاجها فقط من نص الدستور و لكنه تفاعل بطيء بين نص الدستور و الرأي العام التونسي و ستتعقد الأشياء مستقبلا عندما سيتم انتخاب رؤساء البلديات و رؤساء المجالس الجهوية التي اقرّها الدستور و التي ستحوّل لها  صلاحيات عريضة. فكيف سيكون مستوى التعاون بين الوالي الذي ستعيّنه الحكومة المركزية و مجلس الولاية الذي سيكون على رأسه بالضرورة أبناء الجهة من حزب قد يكون مختلفا عن حزب الحكومة. طبعا سيضبط القانون صلاحيات كل مسؤول و لكن من يضمن سهولة التعاون على الميدان لمصلحة الجهة بعد أو قبيل حملة انتخابية؟

إذا نجح "التوافق" في تمكين تونس من تجاوز الصعوبات في الفترة الانتقالية السابقة فان الفترة القادمة و إن كانت فترة حكم "دائم و مستقر" تنهي النظام المؤقت الذي ساد في تونس بين 2011 و 2014 ستكون أيضا بحاجة إلى "روح التوافق" طوال فترة وضع الدستور على محك الممارسة في المجتمع التونسي. و دون ذلك سيصعب حكم تونس و يتعطل القرار"

 مقتطع من : خطان متوازيان يلتقيان في تونس

المصدر الأصلي للمقال:

https://www.turess.com/hakaek/69551