رأي اليوم 26-12-2014
د.المهدي الجندوبي
أعلن د.منصف المرزوقي في اليوم الثاني من التصريح بنتائج الانتخابات الرئاسية
التي خسرها أمام منافسه الأستاذ الباجي قائد السبسي بفارق كاسح من 10 نقاط، أنه
سيؤسس “حركة شعب المواطنين” التي ستكون حسب توصيف مقتضب أمام الآلاف من أنصاره،
سدّا أمام “عودة النظام السابق” و ستواصل “تحقيق أهداف الثورة” في بعديها السياسي
و الاجتماعي و ستعتمد على الشباب الذي تجنّد لنصرته .
و أعلن د.المرزوقي أن الحركة الجديدة تجمع بين “الحداثة و القيم الإسلامية و
العربية” على عكس “حداثة” النخب “الفاسدة” لأنها تتعلق “بحداثة سطحية” و تضمر
“الكره للهوية العربية” حسب رأيه. كما ندد ب”الإعلام المنحاز″ و بأصحاب “المال
الفاسد” الذين “لن يغيّروا وجهة التاريخ” و دعا التونسيين و كل الحركات
الديمقراطية إلى الانضمام إلى الحركة الجديدة التي “ستقود الشعب إلى بر الأمان”
مجددا تمسّكه بالوحدة الوطنية و بالعمل السلمي.
بعد أقل من 3 سنوات في قصر قرطاج خاض د.المرزوقي حملتين انتخابيتين في
دورتين أعادته إلى مناخات الاحتجاج والنضال و المقاومة و هو مجاله الطبيعي الذي
مارسه منذ 3 عقود و تسبب له في الطرد من العمل في خطة أستاذ طب في الجامعة و السجن
و الهجرة و هي خصال كافأها الناخب التونسي في أكتوبر 2011 بعد الثورة عندما منح
لحزب المؤتمر الموقع الثاني بعد حزب الأكثرية النهضة مما رشّح د.المرزوقي لينتخب
من قبل نواب المجلس التأسيسي لرئاسة الجمهورية في فترة انتقالية تحالف فيها مع
النهضة و التكتل في ما سمّي إعلاميا ب”الترويكا” مدة 3 سنوات تقريبا انتهت بخسارته
لموقع الرئاسة في رئاسية 2014.
و إن خسر الرئاسة فالدكتور المرزوقي حسب عبارة الكاتب الصحفي توفيق بن بريك في
تعليقه اليومي على قناة “نسمة” التلفزيونية “فانه أبدع في خروجه من السلطة بعد
أداء حملة انتخابية أرجعته إلى عقلية المقاوم الشرس الذي لا يعبأ بالصعوبات و
بالضربات الموجعة التي تكال له و يصمد لتحقيق حلم يراوده منذ أمد طويل”.
و الكاتب بن بريك رفيق نضال د.المرزوقي في فترة يندر فيها من يقف في وجه نظام
بن علي و قد التقيا مع مجموعة صغيرة من ضمنها السيدة سهام بن سدرين الصحفية و
المناضلة اليسارية و الأستاذ محمد الطالبي عالم التاريخ و المفكّر التونسي في نطاق
“مجلس الحريات” الذي تأسس في منتصف التسعينات من القرن الماضي و هي هيئة أهلية
أنجزت تقارير توثّق فيها خرورقات حقوق الإنسان و بادرت بحملات نضالية رائدة. و
لكنه بعد الثورة رفض زيارة الرئيس المرزوقي في القصر و كال له ألذع عبارات النقد
في العديد من التصريحات و في جريدة أنشأها تحت عنوان”ضد السلطة” و كانت اختبارا
عسيرا لهامش الحرية الصحفية المكتسبة عرفت حكومة الترويكا تجاوزه و لم تصادرها رغم
شدّة مواقفها و بصفة أخص رسوم الكاريكاتير اللاّذعة.
فهل قدر د.المرزوقي أن يكون في انتظارات أصدقائه و الكثير من التونسيين مناضلا
قبل الثورة و بعدها و أن يكون منصب رئاسة الجمهورية قوسا يغلق بسرعة و بدون فخر
يذكر، للتفرّغ إلى ما هو أهم و هو أعطاء تونس معارضة فعلية و قويّة بعد أن مكّن
الناخب التونسي من بروز سلطة جديدة لها شرعية قوية تأكدت مرتين بأكثرية حزب نداء
تونس في البرلمان و صلاحيات عريضة بعد وصول الأستاذ الباجي قائد السبسي مؤسس حزب
نداء إلى رئاسة الجمهورية.
و عرف السبسي بمقولته الشهيرة قبل تأسيسه لحزب “نداء تونس″ و هي أن “التوازن
اختلّ بعد هيمنة النهضة غداة انتخابات 2011 و أنه يسعى إلى إعادة التوازن لأن
الديمقراطية غير ممكنة من غير ذلك و أنه لا يرغب في إقصاء النهضة و لكنه لا يريدها
أن تكون وحدها في الساحة” و قد يكون هذا الهدف المهمة الرئيسة الجديدة التي
يتبناها الآن بدوره د.المنصف المرزوقي و سيقوم بتأديتها مستقبلا و هو ما يحذقه
أكثر من أي شيء آخر لما كسبه من خبرة “المقاوم الشرس″ حسب عبارة صديقة و أكبر ناقديه
الكاتب الصحفي توفيق بن بريك.
و قد يرى البعض أن قيادة المعارضة الفعلية تعود إلى حركة النهضة التي خسرت
موقعها الأول في انتخابات تشريعية أكتوبر 2014 رغم حصولها على 69 نائبا من ضمن 217
في البرلمان و فقدت صلاحية تعيين رئيس الحكومة التي مكّنتها منها انتخابات أكتوبر
2011 هذا إضافة إلى أن القاعدة العريضة التي ناصرت د.المرزوقي هي في الأصل أنصار
النهضة التي نجح المرزوقي في استمالتهم بعد أن قررت النهضة لاعتبارات إقليمية و
بصفة اخص استيعاب “الدرس المصري” و أخرى داخلية، قررت الاكتفاء بالمشاركة في
التشريعية و أحجمت عن تقديم مرشح رسمي و أعلنت مرتين حيادها في الدورة الأولى و
الدورة الثانية.
و لم تتأكد بعد حظوظ النهضة في المشاركة في الحكم مجددا بتعاون مع خصمها و
منافسها القوي نداء تونس و قد مرت علاقة الحزبين بمراحل توتر و جفوة عرفت قيادتهما
كيف تتجاوزها و توّجت للمشاركة في حوار وطني تحت رعاية الاتحاد العام التونسي
للشغل و هيئات أهلية أخرى سمحت بعد أزمة صائفة 2013 التي تلت قتل النائب محمد
البراهمي في 25 جويلية 2013 يوم الاحتفال بعيد إعلان الجمهورية التونسية و ستة
أشهر بعد قتل الزعيم اليساري شكري بلعيد على يد منظمة إرهابية تتبنى السلفية
الجهادية كما تزامنت مع وصول الجنرال السيسي إلى الحكم في مصر، سمحت بوضع خارطة
طريق مكّنت من خروج النهضة بسلاسة من الحكومة التي عهدت إلى السيد مهدي جمعة
المستقل لاستكمال المرحلة الانتقالية، كما مكّنت من التوافق حول الصيغة
النهائية للدستور و ظروف تنظيم الانتخابات و قد أنجزت كل هذه البنود بنجاح.
مؤشرات مشاركة النهضة في الحكم و إن في صيغ مخفّضة عديدة و لكنها لم تتأكد
بعد. فتصريحات العديد من قيادات النهضة تعلن استعدادها لكلتي الحالتين أي المشاركة
في الحكم أو القيام بدورها كمعارضة “مسؤولة” و تعززت التصريحات بمشهد استحسنه
الكثيرون في تونس عندما تم انتخاب السيد محمد الناصر من “النداء” رئيسا لمجلس نواب
الشعب كما تم انتخاب السيد عبد الفتاح مورو النائب عن حركة النهضة التي أسسها
بالاشتراك مع السيد راشد الغنوشي منذ 40 سنة و عرفت في البداية تحت مسمى الاتجاه
الإسلامي، نائبا للرئيس و قد صوّت كل من الحزبين لفائدة مرشح الحزب الآخر هذا
إضافة إلى التزام النهضة مرتين بالحياد المعلن من المرشحين للرئاسية رغم تعاطف
قاعدة النهضة و أحباءها مع د.المنصف المرزوقي الذي حصل على 44 في المائة من
الأصوات في الدور الثاني و 33 في المائة في الدور الأول رغم انهيار حزبه الأصلي
المؤتمر من أجل الجمهورية الذي اكتفى ب 3 مقاعد في انتخابات تشريعية سبقت الرئاسية
بشهر مما سمح للكثير من اعتبار أن أغلبية الأصوات التي حصل عليها المرزوقي متأتية
من أحباء النهضة التي أحجمت عن الترشح.
و من جهته عدّد الأستاذ الباجي قائد السبسي الذي يتولى منصب رئاسة الجمهورية
في حفل معلن ليوم الثلاثاء القادم تصريحاته التي تؤكد أنه في كل الحالات “لن
يحكم بمفرده” و أن الشعب التونسي و إن منح الأولوية لحزب “النداء” فهو لم يمكّنه
من الأغلبية التي تفترض تشكيل تحالف مع أطراف سياسية أخرى ممثلة بالقدر الكافي في
مجلس النواب.
و إن توفرت فرص تشكيل أغلبية عددية في البرلمان مع الجبهة الشعبية
اليسارية ،و حزب آفاق اللبرالي و حزب الاتحاد الوطني الحر الذي مثل مفاجأة الموسم
بحصوله على 16 نائب بعد أن كان له نائب وحيد في المجلس التأسيسي السابق فان هذه
الأغلبية تبقى ضيّقة و معرّضة إلى تقلبات يمكن أن تستجدّ في الفترة اللاحقة خاصة و
أن كل حكومة ستجابه مستقبلا وضعية اقتصادية و مالية صعبة و ستجبر على إصلاحات و
قرارات ستضعها بسرعة أمام تناقض برامج حلفائها من اليسار الرافض لرفع الدعم على
المواد الأساسية المكلفة لموازنة الدولة و المتحفظ إزاء الاقتراض الخارجي إلى
التيار اللبرالي الذي يمثله حزب آفاق الحاصل على 8 مقاعد و حزب الاتحاد الوطني
الحر الذي أسسه بعد الثورة رجل أعمال شاب كوّن ثروته خارج الوطن و يعتمد قدرته على
“جلب الاستثمار” كحجة انتخابية و سبق له أن ضخ أموالا هامة في نادي رياضي شعبي
تولّى رئاسته، و يضاف إلى هذا إضافة إلى جبهة اجتماعية ممثلة في نقابة عمّال قوية
تدعو إلى “توزيع منصف للتضحيات” و مجتمع سجّل تدهور طاقته الشرائية بصفة ملحوظة.
و إضافة إلى الإرادة السياسية لكل طرف تعيش تونس منذ دخل الدستور الجديد
المعلن سنة 2014 مرحلة التطبيق تجربة الانتقال من نموذج نظري وضعه خبراء القانون و
المناضلون السياسيون الذين أوصلتهم انتخابات أكتوبر 2011 إلى موقع القرار، التبعات
العملية المستحدثة لهذا النظام السياسي التي قد لا تكون كلها متوقعة و التي لن تكتمل
إلا بعد سنوات من الممارسة السياسية حسب القواعد الجديدة لأن الدستور أتي بمبادئ و
مؤسسات ستفرز تدريجيا عن منطقها الداخلي الذي يفرض نفسه عل كل الأطراف الفاعلة في
الحياة العامة و يجبرها على تعديل و تطوير ممارساتها السياسية و طبيعة علاقتها مع
بقية الأطراف سواء في وضعيي الصراع أو التعاون.
فعلى سبيل المثال تأكد مرتين في انتخابات التشريعية في 2011 و 2014 انه لا
يمكن لحزب واحد الحصول على الأغلبية اللازمة و بالتالي التحالف أصبح أسلوب حكم شبه
مفروض على كل المتنافسين و من دونه يصعب حكم تونس مستقبلا و التحالف لا يكون دائما
مع الأصدقاء لأن الأصدقاء قد لا ترشحهم نتائجهم إلى لعب دور يذكر. كذلك حرص الآباء
المؤسسون للدستور على الفصل بين رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة هروبا من هيمنة
لرئاسة الجمهورية عرفتها تونس طيلة 60 سنة بعد الاستقلال و مكّن الدستور من إعطاء
رئيس الحكومة صلاحيات عالية تعتمد على شرعية نيابية لأن الحزب الأكثري هو الذي
يعود إليه اختيار رئيس الحكومة. و بينت نتائج الانتخابات الرئاسية لسنة 2014 أن
الناخب التونسي لا يبالي بتعقيدات نخبته التي سعت إلى تقليص صلاحيات رئيس
الجمهورية اذ منح الناخب ثقته إلى حزب “نداء تونس″ في التشريعية و أصرّ في
الرئاسية على منح ثقته إلى مرشح نداء تونس إلى الرئاسية الأستاذ الباجي قائد
السبسي و كأنه يعيد من جديد لرئيس الجمهورية بريقا و حجما حاولت النخبة طمسه توقيا
من انحرافات السلطة في العهد السابق.
عودة المرزوقي إلى معدنه الأصلي أي المعارضة ستكون محفوفة بمتغيرات لا تتحكم
فيها كلها إرادته و كفاءته الشخصية. فإذا تأكدت في الأيام القادمة مشاركة النهضة
في الحكم من الطبيعي أن يكون للمرزوقي و حركته المعلنة مجال تحرّك واسع لتزعّم
المعارضة في زمن سياسي سيقوده الأستاذ الباجي قائد السبسي و حزبه الأكثري في
البرلمان أما إذا تم إبعاد النهضة من المشاركة في الحكم فمن الطبيعي أن تتصدّر
المعارضة نظرا إلى حجمها داخل البرلمان و إلى حضورها الفعلي في قطاع واسع من الرأي
العام.
كذلك سارع د.المرزوقي كعادته بإعلان نواياه قبل موافقة حلفائه الافتراضيين من
العائلة اليسارية و الديمقراطية الذين دعاهم إلى الالتحاق بحركة شعب المواطنين و
كأنه يكرر ما قام به غداة عودته من المهجر بعد الثورة سنة 2011عندما أعلن مبكرا
نية الترشح إلى الرئاسية قبل الجلوس مع الحلفاء الطبيعيين و الحصول على تزكيتهم. و
هذا الأسلوب الذي قد يضفي على صاحبه خصال الزعيم الذي يبادر و يستبق الأحداث يمكن
أيضا أن يتسبّب في مرارة و خيبة أمل و بعض التعنت و الرّفض عند الحلفاء الصغار
الذين ندعوهم بعد انطلاق القطار إلى الصعود.
و يبقى المتغيّر الأهم هو قدرة د.المرزوقي على عدم تكرار نفسه فالمعارضة زمن
الحكم الفردي الذي أبلى البلاء الحسن في مقاومته لا يمكن أن تكون أهدافها و
أساليبها هي نفسها في نظام ديمقراطي ناشئ تعددت فيه مراكز القرار و توسّع فيه مجال
الفعل السياسي بصفة غير مسبوقة في تونس. و رغم الأولوية التي وضعها د.المرزوقي
لحركته الجديدة في “التصدي لعودة الاستبداد” و خطر عودة نظام اطرد من الباب ليعود
“من الشباك” حسب عبارته في خطاب تحية أنصاره أمام مقر إدارة حملته بضاحية تونس
المدينة يوم الثلاثاء الماضي.
شهدت بعض الولايات (المحافظات) تحرّك أنصار المرزوقي في أحداث عنف احتجاجا على
النتائج و “الخروقات” الانتخابية التي رفضتها المحكمة في الدورة الأولى و أحجمت
إدارة حملة المرزوقي على تقديمها في الدورة الثانية مكتفية بتقديم قضايا للمحاكم
العدلية التي لا يمسّ حكمها مهما كان شكله من نتائج الانتخابات و لكنه قد يجرّم
الأفراد المعنيين.
و استعمل د.مرزوقي عبارة “الحراك” غير المتداولة في القاموس السياسي التونسي و
قد تحيل إلى واقع بلدان عربية أخرى فهل هذا يعني أن الفعل السياسي الذي ينوي
د.المرزوقي قيادته مستقبلا سيعتمد تحريك الشارع “بوسائل سلمية” و قد لا يقدر دائما
على ضمان مدى سلميتها خاصة اذا شاركت فيها ما يعرف في تونس بلجان حماية الثورة
التي تميزت بعض خلاياها منذ 3 سنوات بأعمال عنف أدت بالحكومة إلى إحالتها على
القضاء كما طالب المشاركون في الحوار الوطني بحلها، أو هل أن المرزوقي سيغلق
بشجاعة ملف قوس الحملة الانتخابية مهما كانت أجواؤها منعشة لزعيم انتظر طويلا
قاعدة شعبية لم ينجح منذ ثلاثة عقود بتشكيلها بسبب صعوبة الفعل السياسي في حقبة
النظام السابق و انتقاله سريعا بعد الثورة من المعارضة إلى رأس الدولة. قد يكون من
الصعب على هذا “الجنرال” الذي حارب من غير جيش سنوات عدة في أصعب الظروف أن يسلّم
بسهولة في هذه الطاقات الشبابية التي هتفت به أياما معدودات قبل مفارقة الحكم.
و لكن المرزوقي رغم ما يعرف عنه من حماس و اندفاع أعلن في كلمة تلفزيونية
مقتضبة يوم 24ديسمبر بعد خطاب تحية الأنصار الذي ألقاه يوم 23 أنه “عقلاني”
و ندد صراحة بأعمال العنف و حرق بعض مقرات السيادة اثر احتجاجات أنصاره و إن جاء
هذا الموقف متأخرا نسبيا، داعيا إلى التهدئة معتمدا الثنائية البورقيبية المعروفة
“الأهم قبل المهم” واضعا مصلحة تونس و “الوحدة الوطنية و الاستقرار السياسي و
انتقال السلطة” و هي الأهم فوق المصلحة الشخصية و الحرص على “إنصافه شخصيا و إنصاف
الديمقراطية” و هي المهم و طالب بإيقاف الاحتجاجات.
النظام السياسي الجديد الذي أسسه دستور 2014 يسمح بمجال واسع للمشاركة في
الحياة العامة و إدارة الشأن العام خارج الحكومة و البرلمان. فهل سيرشّد المرزوقي
“الحراك” و يدعو الشباب إلى التنظّم داخل هياكل حركة “شعب المواطنين” و ترك
الاحتجاج في الشوارع و الساحات العامة، استعدادا لخوض الانتخابات البلدية القادمة
و كذلك انتخابات المجالس الجهوية (المحافظات) التي ستعهد لها صلاحيات تنموية واسعة
و يفتكّ من جديد هامشا من القرار المحلي بعد أن انتزع منه ديمقراطيا القرار على
المستوى الوطني و يساهم بايجابية في تكريس الديمقراطية في الحياة اليومية في أكثر
المجالات ارتباطا بالحياة اليومية للمواطن؟ و عندما تعود الرئاسية من جديد
للمنافسة يكون قد اقنع الناس ممارسة بجدارته و جدارة حركته على إدارة تونس.
و قد تكون أفضل حجة لمواطن سئم وعود الساسة على شاشات التلفزيون و وضعته
الأقدار أمام خيارين أحلاهما مر: فإما عودة الاستبداد و الفساد أو انهيار دولته
الحامية أمام عجز صارخ في إدارة السلطة و ضربات موجعة و متكررة للسلفية الجهادية
التي وجدت مجال نمو في بيئة ما بعد الثورة التي عرفت فيها الدولة وضعية شبه
منهارة.
نجاح الحملة التي قادها المرزوقي بروح المنتصر تحت شعار “ننتصر أو ننتصر” و هو
عنوان آخر كتبه لا تعفي “المقاتل الشرس″ من مراجعة لازمة لبعض أحكامه الجائرة و من
ضمنها ما تكرر على لسانه من نقد لاذع لأداء الإعلام التونسي يصل أحيانا إلى مجانبة
“الإنصاف ” و التهرّب من تحمّل المسؤولية.
وسائل الإعلام التونسية في نسبة مرتفعة هي ملك الحكومة بصفة مباشرة أو غير
مباشرة و سبق للسيد كمال العبيدي الصحفي الذي يحظى بتقدير واسع في المهنة و سبق أن
أطرد من عمله في وكالة الأنباء مرتين في العهد السابق لأسباب نقابية و لدفاعه على
حرية الإعلام و رئيس هيئة إصلاح الإعلام التي تشكلت بعد الثورة، أن وضع على طاولة
أصحاب القرار في أفريل 2012 اي مع بداية حكومة الترويكا تقريرا في 363 ص مع
مقترحات إصلاح عديدة و من ضمنها طريقة تسمية كبار المشرفين على وسائل الإعلام و
كانت الحكومة صاحبة السيادة في التسمية إلى حدود أول تعيين مستقل قامت به هيئة
السمعي البصري للرئيس المدير العام لمؤسسة التلفزة التونسية في جوان 2014.
و تشرف الحكومة التي تمثل الجهة المشغلة لأكثر من ثلثي الصحفيين المهنيين في تونس،
بحكم الملكية العامة على التلفزيون و الإذاعة و محطات إذاعية جهوية و وكالة أنباء
و جريدة يومية بالفرنسية لابريس و بالعربية الصحافة .كما انها تدير بصفة غير
مباشرة عن طريق مشرف عدلي بعد مصادرة و استرجاع أملاك لعائلات قريبة من النظام
السابق، محطة إذاعة شمس أف أم و جريدة الصباح و جريدة لوطون بالفرنسية.
و ليس هناك إفراط في القول أن كل مكونات الترويكا تعاملت بحذر و عدم تعاون مع
واضعي التقرير الذي شخّص العديد من سلبيات الإعلام و اقترح إصلاحات عديدة بقيت في
جانب هام حبرا على ورق مما أدى بالسيد كمال العبيدي إلى الاستقالة.أخطاء الإعلام
حقيقية و فعلية و لكن من يتحمل المسؤولية؟
و مع إقرار الأخطاء لا ينكر ملاحظ نزيه الدور الايجابي لمختلف وسائل الإعلام
في تطوير الوعي السياسي عند عامة التونسيين و التعريف بكثير من الوجوه السياسية
التي كان عامة الناس يكاد يجهلونها و إنضاج الكثير من القضايا شديدة العلاقة
بمختلف أوجه البناء الديمقراطي طوال سنوات المخاض و التعلم الجماعي التي عشتها
تونس شعبا و نخبا.
أكملت تونس المرحلة الانتقالية و هي الآن بصدد تشكيل سلطة لها تفويض شعبي
ديمقراطي عريض ستجابه ملفات حارقة عناوينها يعرفها الجميع و هي الوضع الاقتصادي و
المالي و البطالة و الفقر و الإصلاحات الكبرى مثل قضية دعم المواد الأساسية و
إصلاح التعليم و نظام التقاعد و الجباية المنصفة و كلها مواضيع جدالية و مؤلمة في
تبعاتها على الحياة اليومية للمواطن.
و من الطبيعي أن يكون أسلوب الحكم و خطر الانفراد بالسلطة هاجسا شرعيا لشرائح
من الرأي العام و بصفة اخص كل من ذاق الأمرين في العهد السابق. كلها مهام متداخلة
و متكاملة و على درجة من الأهمية.فكيف يمكن للسلطة الجديدة أن تنطلق في الفعل و
الانجاز بأسلوب ناجع و كيف يمكن للمعارضة أن تسهر على تجنب الانحراف بالسلطة و
تلعب دور العين الساهرة دون أن تكون حبيسة الماضي الاحتجاجي لأن الفعل السياسي في
تونس اتسع بصفة غير مسبوقة و لم يعد تمركز السلطة كما عرفناه منذ 60 سنة كما أن
معارضة الحكومة على مستوى وطني لم تعد حاجزا أمام تولي مواقع قيادية عديدة ستفتح
أكثر فأكثر بعد البلديات و المجالس الجهوية (داخل المحافظات). و لنذكر الطامحين
إلى الرئاسة أن أحمدي نجاد وصل إلى رئاسة الجمهورية الإيرانية بعد نجاحه في إدارة
بلدية طهران و الأمثلة عديدة في بلدان أخرى.
هذه معادلة الأشهر القادمة في تونس:هل ستنجح في التوازن من جهة بين القدرة على
الفعل و أخذ القرارات المناسبة لمجابهة متطلبات التنمية دون انفراد بالسلطة و من
جهة أخرى القدرة على السماح بالنقد و مراقبة السلطة و الاحتجاج و دون السقوط في
التوتر و افتعال الأزمات؟
المصدر الأصلي:
http://www.raialyoum.com/?p=196824
مواضيع ذات صلة: