كلما أدّبني الدّهر أراني نقص عقلي

و اذا ما زدت علما زادني علما بجهلي

الامام الشافعي


vendredi 23 mars 1984

مجمّع وكالات دول عدم الإنحياز: حصيلة و آفاق

عرض المهدي الجندوبي

الجزيرة (يومية سعودية)، 23 آذار-مارس 1984، العدد 4193.

أصدر المعهد الهندي لدراسة وسائل الإتصال الجماهيرية، كتابا حول مجمّع وكالات دول عدم انحياز، يغطّي فترة نشأة هذا المجمّع الى سنة 1981.

و ترجمت النسخة الأصلية التي أنجزت بالانجليزية الى الفرنسية من قبل وكالة تونس افريقيا للأنباء (الوكالة التونسية) و الى العربية من قبل الوكالة العراقية و التزمت الوكالة الكويتية بترجمته الى الإسبانية.

تقول مقدّمة النّسخة الفرنسية المعتمدة في هذا الغرض، بعد تجربة ست سنوات أردنا أن نقدّم بصفة وفية و اعتمادا على الوثائق الى كل من يهتمّ بمسائل الإعلام و الاتصال في العالم، تفسيرا لماهية المجمع و لاتجازاته و أهدافه و أردنا في نفس الوقت ان نقول ما لا يريد المجمع أن يكون و ما لا يريد أعضاؤه ان يكون.

و تمضي المقدّمة لتؤكّد أن النظرة الأولى التي غلبت على تصورات الوكالات الوطنية التي أنشأت المجمّع كانت تركّز على مسالة وضع نظام للتبادل الاعلامي، و هذه هي الوظيفة الأساسية التي حاول المجمّع أن يؤديها باستمرار. و لكن اكتشاف أعضاء المجمّع أن ايجاد الإطارات الكفأة التي ستقوم بعملية نقل المعلومات بسرعة و التي ستقدّم إعلاما ذا نوعية مرتفعة، من أهم أسباب نجاح التبادل الاعلامي بين دول عدم الإنحياز.

و هكذا إتسعت ل رقعة نشاطات المجمّع و شملت اهتماماته مواضيع مختلفة مثل: إنشاء الوكالات الوطنية في بعض الدول، الاتصال السلكي و اللاسلكي، تكوين الصحفيين، تسعرة المراسلات الصحفية، النشاط في إطار اليونسكو، (...)

تونس ترأس لجنة التنسيق للمجمّع

يمثّل إنشاء المجمّع تجسيدا لإهتمامات قديمة عبّرت عنها أوساط مختلفة في العالم الثالث ووجدت صدى محدودا في البداية في الأمم المتحدة التي قررت سنة 1952 خلال جلستها العامة السابعة إنجاز تحقيق دولي حول وسائل الإتصال الجماهيرية و عهد بهذه المهمّة الى اليونسكو التي نظّمت سلسلة من الإجتماعات جمعت فيها العديد من الخبراء، و مثّلت هذه الإجتماعات مرحلة أولى لجمع المعلومات و بلورة الأفكار حول هذه المسألة.

و إذا ما أردنا تحديد ميلاد فكرة المجمّع بصفة ادق فعلينا أن نعود الى شهر سبتمبر 1973 حيث انتظمت بالجزائر القمة الرابعة لرؤساء دول عدم الإنحياز التي وضعت خطة عمل شاملة لحركة عدم الإنحياز.

و تتضمّن بنود هذه الخطّة توصية تتعلّق بتنمية التبادل الاعلامي بين دول عدم الإنحياز و تسهيل إنتشار وسائل الإعلام من جرائد و كتب ووسائل سمعية بصرية.

و تجسيدا لهذه التوصية، قررت 12 وكالة تنتمي الى دول عدم الإنحياز إنشاء المجمّع الذي بدأ نشاطه في يناير 1975، و هكذا بدأ النشاط الفعلي للمجمّع قبل أن تنجز النصوص المتعلّقة به و قد لقي المجمّع منذ إنطلاقته تاييدا واسعا في مختلف هياكل و حركة عدم الإنحياز.

و في إجتماع وزراء الإعلام و مديري الوكالات الوطنية ل 59 دولة، وقع بالعاصمة الهندية في يولية 1976، تحت إشراف رئيسة الوزراء السيدة انديرا غاندي، تمت المصادقة على مشروع القانون الأساسي للمجمّع (اللاّئحة التنظيمية). و قد صادقت القمة الخامسة لرؤساء دول عدم الانحياز المجتمعة بعاصمة سريلانكا في أغسطس 1976 على هذا القامون الذي أنشأ هيكلا للإشراف على المجمّع سمّي لجنة التنسيق لمجمّع وكالات أنباء الدول غير المنحازة.

و تضمّ هذه اللّجنة خمسة عشر عضوا، و تنتخب من قبل كافة الأعضاء خلال جلسة عامة تنتظم بصفة دورية كل ثلاث سنوات. و تعهد رئاسة اللجنة بصفة دورية كل ثلاث سنوات الى عضو من أعضاء المجمّع. و الملاحظ أن الهند ترأست الفترة الأولى و يوغسلافيا الفترة الثانية و تراس اللجنة في الفترة الحالية الجمهورية التونسية ممثلة في وكالة تونس افريقيا للأنباء.

و يمكن تلخيص أهم إهتمامات المجمّع التي عبّر عنها الأعضاء خلال مختلف افجتماعات التي التي شاركوا فيها في النقاط التالية:

1)يؤكد المجمّع بانتظام وظيفته الأساسية التي تتمثل في إنشاء و تطوير نظام تبادل الأخبار بين أكبر عدد ممكن من وكالات بلدان عدم الإنحياز و هي بلدان تجمعها إلتزامات سياسية دولية و ذلك بالرغم من الإختلافات العديدة التي تشهدها على مستوى الأنظمة السياسية و الاجتماعية.

و تجسيدا لهذه الرغبة، تلتزم كل وكالة بانتقاء مجموعة من الأخبار من نشرتها اليومية و ارسالهالها الى المجمّع الذي يتعهّد بدوره بإرسالها في اتجاه الوكالات الأعضاء الأخرى، و تلعب بعض الوكالات التي تملك وسائل إتصال أقوى من غيرها، دور مركز توزيع يتقبّل الأخبار من وكالات دول مجاورة و يعيد بثّها من جديد على نطاق أوسع. و هكذا تتمكن وكالات ذات إمكانيات محدودة من تبليغ أخبارها الى بلدان بعيدة جغرافيا عنها.

2)يلاحظ الساهرون على المجمّع أن عملية إختيار و تحرير الأخبار قد تلعب دورا خطيرا إذ أنه لا يكفي أن يتم تبادل الأخبار بين الوكالات و لكن الأهم هو أن تستغل هذه الأخبار بصفة فعلية من قبل الجرائد اليومية و محطات الإذاعة و التلفزيون في العالم. و هذا الإستغلال لا يتحقق الاّ إذا كانت هذه الأخبار مصاغة صياغة جيدة و لهذا السبب وجّه المجمّع إهتمامه الى موضوع تكوين الصحفيين و التزمت الوكالة الهندية بالتعاون مع المعهد الهندي لدراسة وسائل الإتصال بنشر كتاب مدرسي حول صحافة الوكالة و قد نشرت الطبعة الانجليزية بالهند سنة 1980 تحت عنوان

A manual for news agency reporters, Indian Institute of mass communication (144p), India 1980.

3) و ركّز المجمّع أيضا على موضوع الأنظمة السلكية و اللاساكية و أهمية تعزيز شبكة الإتصالات التي تربط بين دول عدم الإنحياز، و تناول مسالة التسعيرة المرتفعة للبرقيات الصحفية و طالب الدول المعنية بالتخفيض منها.

4) و فيما يتعلّق بتكثيف التبادل بين الوكالات أكّد المجمّع عدة مرات على أهمية مواصلة و تنمية العلاقات الثنائية و المتعددة الأطراف بين وكالات المجمّع و ساند إنشاء اتحادات جهوية للوكالاات على المستوى الإفريقي او مستوى دول أمريكا اللاتينية.

5)لقد حاول المجمّع بتواضع الحد من عدم التوازن الموجود في تبادل المعلومات بين الدول غير المنحازة من جهة و الدول المصنّعة من جهة أخرى. و يعتبر المجمّع أنه لعب في هذا المجال دورا تصحيحيا، على أن المجمّع يعترف أن العديد من الثغرات مازالت قائمة. فالمعلومات التي يحصل عليها من البلدان الافريقية مازالت محدودة و كذلك بالنسبة لتبادل الصور الفوتوغرافية. و قد بلغ عدد الكلمات المتبادلة 40000 في اليوم يبثّ بالعربية و الفرنسية و الانجليزية و شملت عملية التبادل 80 وكالة.

و خصص الكتاب بابا للتعرّض الى الإنتقادات اللاذعة التي وجهتها اجهزة الإعلام الغربية للمجمّع و تتمثّل في النقاط التالية:

1)تعتبر اغلب الصحف الغربية أن المجمّع هو هيكل وليد وكالات رسمية تأتمر بأوامر الحكّام و هو بالتالي لا يمكن الا أن يكون هيكل دعاية للدول الأعضاء و ليس هيكلا إعلاميا نزيها. و تخشى وسائل الإعلام الغربية أن ينتج عن نمو شبكة المجمّع، حرمان وسائل الاعلام الأجنبية من المراسلين القارين الذين تعيّنهم هذه الوسائل بنفسها.

و إتهمت وسائل الإعلام الغربية المجمّع بانه يناهض فكرة حرية انتقال المعلومات و يريد أن يفرض نفسه كمصدر وحيد للإعلام حول ما يجدّ بالدول الأعضاء بحركة عدم الإنحياز.

و يردّ المجمّع على مثل هذه الإتهامات بقوله: إن المفهوم الغربي لحرية انتقال المعلومات هو في الواقع تكريس لعدم التوازن الذي يشهده تبادل المعلومات في العالم. فما هي قيمة حرية لا يمكن أن تستغلها الا الوكالات القوية. و فيما يتعلّق بالبعد الرسمي للوكالات التي تكوّن المجمّع، يقول المسؤولون عن السياسة الاعلامية لحركة عدم الإنحياز أن العديد من الأجهزة الإعلامية بالغرب هي ايضا ملك الدولة و أن الأجهزة الخاصة تتمتّع بمساعدات مالية من قبل الجهات الرسمية. فيذكرون مثلا أن وكالة فرانس براس و هي وكالة عالمية، هي ملك للدولة.

و يذكّر المجمّع بحقيقة كثيرا ما تنسى عندما يحتدّ الجدل بين انصار المجمّع و خصومه و هي ان المجمّع ليس وكالة مستقلّة بذاتها منافسة للوكالاات الأخرى و لكنه نظام تبادل المعلومات بين دول عدم افنحياز.

2)و من بين الإنتقادات التي وجهت الى المجمّع، ضعف التغطية التي يقوم بها لأحداث الدول الأعضاء بحركة عدم الإنحياز. و يردّ المجمّع على هذه الملاحظة بقوله أن المجمّع هو هيكل يضمّ وكالاات قد يكون لها مواقف جد متباينة إزاء بعض المشاكل الهامة التي تطرح على الساحة الدولية. هذا من ناحية و من ناحية أخرى فإن نوعية التغطية التي يقوم بها المجمّع شديدة الإرتباط بالإمكانيات المتوفّرة بالوكالات الوطنية التي تعود لها مسؤولية تزويد المجمّع.

3)كثيرا ما تنعت البرقيات التي يبعث بها المجمّع بأنها قليلة الفائدة بالنسبة الى وسائل الإعلام الغربية. و يعتمد المجمّع لدحض هذا الراي على دراسة قامت بها مؤسسة أمريكية تؤكد فيها أن نسبة 22% من الأخبار التي بثّها المجمّع من يوغسلافيا خلال أسبوع الدراسة ذات "أهمية مرتفعة" و 26% من هذه الأخبار ذات "أهمية متوسّطة".

و يتضمّن الكتاب قائمة لكلّ الوكالات الأعضاء بالمجمّع مع ذكر عنوان المقرّ و يشتمل ملاحق متكوّنة من الوثائق التي صدرت عن المجمّع في مختلف مراحل نموّه، و تمثّل مرجعا اساسيا للباحث الذي يهتمّ بمسالة تداول الأخبار على المستوى الدولي.

مواضيع ذات صلة:

خمس وكالات صحفية عالمية تسيطرعلى الساحة الإعلامية الدولية

الوكالات العالمية...محور جدل على المستوى الدولي.

L’Information : Domination et cadre d’action




وجّه المجمّع إهتمامه الى موضوع تكوين الصحفيين و التزمت الوكالة الهندية بالتعاون مع المعهد الهندي لدراسة وسائل الإتصال بنشر كتاب مدرسي حول صحافة الوكالة و قد نشرت الطبعة الانجليزية بالهند سنة 1980 تحت عنوان

A manual for news agency reporters, Indian Institute of mass communication (144p), India 1980.