كلما أدّبني الدّهر أراني نقص عقلي

و اذا ما زدت علما زادني علما بجهلي

الامام الشافعي


jeudi 4 février 2021

جدل سياسي بعقلية دعائية

مقتطع من: "بديهيات" تعيق الجدل السياسي في تونس

"الجدل السياسي في تونس، خارج مجال الكتب و الأطروحات العلمية و التقارير الجادّة و مقالات الرّأي الرصينة و هي محدودة الإنتشار، يمرّ في الفضاء العام عبر وسائل الإعلام. و رغم ثرائه و تعدّده بالقياس مع فترة ما قبل الثورة، فهو يشكو اليوم أكثر من أي وقت مضى من العقلية الدّعائية، خاصة و أن مجاله الطبيعي اصبح ما يسمى "بالبلا توهات" التلفزية و الإذاعية و صفحات الفايسبوك، حيث "الكل خصم الكل" في تقاتل رمزي مسترسل، على خلفية لحاف من "الضمار" و خفّة الرّوح و الهزل الذي يفتح يوميا لعشرات من "المناضلين المقاتلين" المنخرطين في تيّار ضد آخر، و هذا الفضاء هو البيئة التي تضاعف من رواج أسلوب تفكير سياسي يعتمده كل المتنافسين في السّاحة العامّة رغم إختلاف مشاربهم، وعتاده الفكري الأحكام القاطعة و المزاج و شيطنة الخصم.

بعض وسائل الإعلام التلفزية و بصفة أخصّ القنوات الخاصّة التي تعيش من الإشهار و قياس جمهور المتابعين، فاقمت طريقة تفكير تعود الى عقود قبل بعث هذه القنوات و ساهم كل طرف سياسي في الّسّلطة و المعارضة في تكريسها".


صحافة الحديث ي شجون

مقتطع من: مائة يوم حكومة مقابل مائة يوم مواطنة

"إعلاميون أفذاذ يدافعون عن حرية الصحافة بجرأة ولكنهم نسوا ان الصمت أحيانا فضيلة فكيف تسمح لنفسك ان تكون صحفيا جديا وناقدا فذا وأنت تتكلم في كل شيء كل يوم: في الملف الليبي والثقافة والسياسة الداخلية وجائزة البوكر العربية؟".



هل الصحفي شريك في المنظومة السياسية أم ملاحظ لها؟

مقتطع من: الصحفيونالمهنيون في تونس و الأطراف الفاعلة في الحياة العامة: علاقة تحت ضغط إعادةالتشكّل

"مع انتشار التلفزيون و فرضه أساليب عمل جديدة شملت بعد ذلك بأقل حدة بقية وسائل الإعلام لم يعد الفعل السياسي ينشأ بصفة طبيعية في المجتمع و تكتفي بنقله وسائل الإعلام و لكن و سائل الإعلام أصبحت الفضاء الأصلي للفعل السياسي فلم يعد الفاعل السياسي ينشط بين الناس و تغطى أقواله و أفعاله و لكن أصبح يقول و يفعل في الفضاءات الإعلامية التي تضمن له وصول صورته و رسائله إلى المواطن المشاهد و غدت وسائل الإعلام و كأنها فضاء بديل للفعل السياسي عن المجتمع.

و هكذا تحوّل الصحفي و من ورائه الجهاز الإعلامي إلى شريك ثالث في المنظومة السياسية التي كانت ترتكز على طرفي المعادلة السياسية التقليدية أي الفاعل السياسي و المواطن و فرضت وسائل الإعلام تدريجيا على الفاعلين بحكم الاعتبارات التقنية المتعلقة بتسجيل البرامج أو بحكم توقّعها لرغبات و أفضليات الجمهور أو بحكم أساليب العمل المهنية، سلوكيات و ضغوطات و أولويات حوّلتها من مجرّد ملاحظ للشأن العام إلى متدخل يساهم في تنشيط الحياة السياسية و يحدد مع الأطراف الفاعلة بعض قواعد الفعل السياسي.

و بينما كان الفاعل السياسي يتوجه مباشرة إلى المواطن أصبحت وسائل الإعلام تغريه بالتوجه بسهولة نسبية إلى جمهور يتعرّض إلى برامجها و يتشكل حسب أهداف تجارية تتعلق أساسا بجلب الإشهار (الإعلان) و حسب قواعد الإغراء و شدّ الانتباه و هذا التطابق الذي يظهر بديهيا بين مفهوم  المواطن و مفهوم الجمهور لا يخلو من إشكالات و يحتاج إلى مناقشة".


دور وسائل الإعلام في المخاض الديمقراطي

مقتطع من: تعليق حول مقال الأستاذ توفيق بن رمضان حول الإعلام التونسي ( 2014)

”النقد اللاّذع الذي يوجّه إلى السلطة و ان كان مفرطا أو ظالما أحيانا هو ثمرة شرعية للثورة بل يكاد يكون إجماع في تونس المكسب الفعلي الوحيد قبل خارطة الطريق التي وضعها الحوار الوطني و أدت الى الإقرار بالدستور و تنظيم الانتخابات في ظروف سليمة .

وسائل الإعلام في نسبة مرتفعة هي ملك الحكومة بصفة مباشرة أو غير مباشرة و سبق للسيد كمال العبيدي الصحفي الذي يحظى بتقدير واسع في المهنة و سبق أن أطرد من عمله في وكالة الأنباء مرتين في العهد السابق لأسباب نقابية و لدفاعه على حرية الإعلام و رئيس هيئة إصلاح الإعلام التي تشكلت بعد الثورة، أن وضع على طاولة أصحاب القرار في أفريل 2012 اي مع بداية حكومة الترويكا تقريرا في 363 ص مع مقترحات إصلاح عديدة و من ضمنها طريقة تسمية كبار المشرفين على وسائل الإعلام و كانت الحكومة صاحبة السيادة في التسمية الى حدود أول تعيين مستقل قامت به هيئة السمعي البصري للرئيس المدير العام لمؤسسة التلفزة التونسية في جوان 2014.

و استسمحكم التذكير ان الحكومة تشرف بحكم الملكية العامة على التلفزيون و الاذاعة و محطات إذاعية جهوية و وكالة أنباء و جريدة يومية بالفرنسية لابريس و بالعربية الصحافة و هذه المؤسسات وحدها تشغل حوالي ثلثي الصحفيين المهنيين.كما انها تدير بصفة غير مباشرة عن طريق مشرف عدلي بعد مصادرة و استرجاع أملاك لعائلات قريبة من النظام السابق، محطة إذاعة موزييك(مصادرة جزئيا) و إذاعة شمس أف أم و جريدة الصباح و جريدة لوطون بالفرنسية.

أخطاء الإعلام حقيقية و فعلية و لكن من يتحمل المسؤولية؟

و مع إقرار الأخطاء لا ينكر ملاحظ نزيه الدور الايجابي في تطوير الوعي السياسي عند عامة التونسيين و التعريف بكثير من الوجوه السياسية التي كان عامة الناس يكاد يجهلونها و إنضاج الكثير من القضايا شديدة العلاقة بمختلف أوجه البناء الديمقراطي طوال سنوات المخاض و التعلم الجماعي التي عاشتها تونس شعبا و نخبا".


الاعلام البروتوكولي و الاعلام الأسطوري ( 1988)

مقتطع من: صحافة القرّاء....أم صحافة...؟

"صحافة الدولة في خدمة الدولة، هذا ما يقوله المهنيون الذين تعهد لهم مهمّة قيادة زملائهم في قاعات التحرير كلّما وجّه نقد لنوعية تغطيتهم للاحداث الوطنية. إلاّ انهم يعتبرون ان خدمة الدولة هي خدمة رجالها، بل أكثر رجالها وزنا في أجهزة الدولة.

وقد طوّر منذ سنوات رؤساء وامناء التحرير مقياسا خفيا يكيلون به الوزن الفعلي لكل شخصية من شخصيات الدولة فيكيلون طول المقالات وتواترها و عدد الصور و حجمها حسب استنتاجات هذا المقياس. فهذا الوزير يغطّى نشاطه في برقية وآخر في أكثر من برقية وهذا يظهر كل يوم واخر مرتين في الأسبوع او أقل. ومن بديهات القول ان هذا المقياس كثير التحول في اتجاه الصعود والهبوط حسب تخمينات كل رئيس تحرير.

ولا يخفي رؤساء التحرير، وهم عادة من الصحفيين المهرة في احاديثهم الخاصة عدم قبولاهم لهذه المقاييس غير المكتوبة ويعتبرونها منافية لابسط تقاليد العمل الذي يبوّب الخبر حسب أهميته وثرائه وحسب اهتمامات وانتظارات الجمهور. وهكذا تمتلئ نشرات وكالة الانباء والحصص الإخبارية في الإذاعة والتلفزة والجرائد باخبار مطولة وصور تدور عادة حول استقبالات وتحركات وخطب السادة الوزراء وهو الوجه الظاهري  والسطحي لأعمالهم على رأس الدولة.

ويسمّى هذا الشكل من العمل الصحفي الرائج في مختلف الدول الافريقية والعربية، بالاعلام  البروتوكولي، وهو لا يخدم في شيء الدولة ولا حتى رموزها ولا يحمل معلومات مفيدة لكل من اعطى بعضا من وقته وماله لقراءة الجرائد والاستماع الى نشرة الاخبار او مشاهدة شريط الانباء.

ان هذا الشكل من التغطية للاحداث الوطنية هو نتاج سنوات من التفاعل الخفي بين القيادات الصحفية في قطاع صحافة الدولة ورجال السياسة الرسميين ويعتقد المهنيون ان هذه الممارسات مفروضة  عليهم وانهم يتعرضون الى كل اشكال اللوم والضغط  وضياع كرسي المسؤولية، كلما حاولوا تجربة اشكال أخرى من التغطية الصحفية.

وفي الواقع فان قوّة هذه التقاليد المهنية تتمثل أساسا في انها أصبحت شكلا إعلاميا يفرض نفسه بصفة ضمنية على رجال الدولة وعلى الصحفيين. فرجال الدولة تعودوا على هذه الصورة التي تصنعها عنهم صحافة الدولة قيتدخلون بقدر الأماكن للحصول على المزيد من الكلمات والصّور والأفلام حول تحركاتهم وتصريحاتهم واستقبالاتهم واصبح الصحفي سجين الممارسات المهنية التي عوّد بها رجال الدولة.

ان تضخم حضور رجل الدولة في وعي ولا وعي الصحفيين وخاصة قياداتهم في المؤسسات الصحفية أدّى الى تغييب شبه كلي للقارئ والمستمع ووالمشاهد الذي يمثل هدف كل عمل اعلامي ناجح.

وينتج عن ذلك عدم اهتمام الناس بالطبخة الرسمية في إعطاء صورة سليمة وعميقة حول بعض الإنجازات الهامة التي تقوم بها الدولة و عدم مدّ المواطن بكشف صريح حول المشاغل الحقيقية التي تجابه المؤسسات و المواطنين  . وهي مشاغل نجدها بارزة بوضوح  في التقارير الرسمية التي تنجزها مؤسسات الدولة ويعرضها الوزراء  و غيرهم من المسؤولين في جلساتهم المضيقة.

وهكذا تطغى على الاخبار الرسمية و شبه الرسمية مسحة من الإيجابية الساذجة و التفاؤل المفرط الذي يصل الى حد الاعلام الأسطوري و الملحمي الذي يمجّد الإنجازات و يؤدي عادة الى التحفّظ و الشك و اللامبالاة".



هل وسائط الاتصال شاهد على ما يجدّ  في المجتمع أم طرف في ميزان القوى؟

مقتطع من: من الحدث الاجتماعي إلى الحدث الصحفي

" يتحكم  في الفعل الميديائي هدف رئيسي يتمثل في شد انتباه واهتمام القارئ والمستمع أو المشاهد. ويفرض سوق الإعلام والاتصال على وسائل الإعلام هاجس توسيع رقعة الجمهور إلى أقصى الحدود الممكنة قصد ضمان اكبر قدر من مداخيل الإعلان( الإشهار). هذا طبعا بالنسبة إلى وسائط الاتصال التي لا تعتمد على التمويل الحكومي الذي يحرر وسائل الإعلام من سطوة دراسات الجمهور  ولكنه يكبّلها بالتزامات من صنف آخر. وطورت مختلف  وسائط الاتصال طرق عمل متنوعة حسب خصوصياتها التقنية تمكنها من تسجيل ومعالجة الأخبار قصد ضمان اكبر رواج لها في المجتمع.

 واذ تسعى وسائط الاتصال إلى جلب الجمهور، فان الأطراف الفاعلة في المجتمع من هيئات حكومية وأحزاب ونقابات وجمعيات وغيرها تسعى هي بدورها إلى جلب اهتمام وسائل الإعلام قصد الحصول على تغطية صحفية لأنشطتها ومواقفها وهو ما جعل مصالح ومؤسسات العلاقات العامة تنتشر في مختلف الأقطار وتحتل دورا متفاوت الأهمية حسب البلدان في تنظيم العلاقة بين الصحافة ومختلف الأطراف الفاعلة في المجتمع.

ويرى بعض الخبراء أن هاجس جلب اهتمام الجمهور جعل عملية  جمع الأخبار ونشرها تتجه نحو مسرحة الحدث وتضخيمه قصد إبراز أهميته وإقناع المتلقي بمتابعته الأخبار. وأدوات مسرحة الأحداث وتقنياتها عديدة ليس اقلها أهمية قرار افتتاح النشرة الإخبارية بخبر معيّن عوضا عن إدراجه مع كوكبة الأخبار السريعة في الشريط نفسه أو إدراجه في الصفحة الأولى في جريدة يومية عوضا عن وضعه في الصفحات الداخلية. وكذلك قرار الحيز المخصّص للخبر الذي يمكن ان يعالج في ثوان معدودة او عدة دقائق، أي في شكل خبر قصير خام يقتصر على الوقائع الآنية او خبر مطوّر يشتمل على خلفية او في شكل ملف مكتمل يجمع بن الخبر والتفسير والتعليق.

 

 ويأتي في نفس السياق إدراج البرامج الخاصة والملاحق وغيرها من قرارات هيئات التحرير التي ترتب يوميا الأحداث وتعدّل نسق إنتاجها الإخباري حسب مقاييس سياسة التحرير. ولا تكتفي وسائط الاتصال بجمع ما يجدّ من أحداث في المجتمع بل أصبحت تبادر أكثر من أي وقت مضى بالبحث عن ردود فعل أهم الأطراف الاجتماعية حول بعض الأخبار فيولّد الخبر الأصلي سلسلة من الأخبار الجديدة لم تكن لتظهر للعيان لولا مبادرات الصحفيين ووسائل الإعلام.

وقد تتحول بعض البرامج الإخبارية مثل برامج الحوار السياسي التي تبادر وسائل الإعلام بتنظيمها إلى أحداث في حد ذاتها تخبر عنها وسائل الإعلام الأخرى وتعلّق عليها وقد تولّد هي بدورها ردود أطراف سياسية أخرى لم تشارك في الحوار وهذا ما يعبر عنه المهنيون عندما يقولون " الصحافة تصنع الحدث "  ويستعمل الخبراء مصطلح شبه أحداث pseudo évènements   وهي أحداث مصطنعة لا تنشأ عن السير العادي للمجتمع ولكنها تنتج عن مبادرة تقوم بها وسائل الإعلام التي تتجاوز دورها التسجيلي للأحداث أو تنظمها أطراف اجتماعية فاعلة في الحياة العامة بهدف جلب التغطيات الصحفية، مثل المهرجانات التي تنظمها بعض المدن والأيام التي تبادر بها المؤسسات وغيرها من التظاهرات التي تدخل في صنف ما يسميه المهنيون بالأحداث المتوقعة.  خاتمة :

 من المجتمع إلى صفحات الجرائد وأشرطة الأنباء ومواقع الصحافة الالكترونية، من الواقع إلى رواية الواقع، ينتقل الحدث من واقعة اجتماعية تاريخية إلى خبر إي إلى ظاهرة رمزية  والصحفيون بمختلف مستوياتهم في سلم القرار ومع كل ما يحملونه من نوايا حسنة ومن أفكار مسبقة ومع ما يتميزون به من كفاءة مهنية وما يستبطنونه من قيم اجتماعية أو من قيم خاصة بالمؤسسات التي يتعاونون معها، هم الذين يحوّلون الإحداث والوقائع الاجتماعية والتاريخية التي يعلمون بها اعتمادا على مصادر وشواهد، إلى أخبار ثم يعالجون الأخبار فيجعلون منها أحداث الساعة.

وتمر الأحداث الاجتماعية والتاريخية عبر غربال مقاييس القيم الإخبارية التي تدرس في كل دروس الصحافة في العالم، وهذا هو المستوى الأول مما اتفق على تسميته ببناء الحدث. ولا تتمكن الصحافة من رصد الأحداث التي تنشأ في المجتمع إلا إذا تهيأت لذلك بوضع خطة تغطية تشكل هي بدورها مستوى آخر من البناء اذ هي لا تخلو من قرارات وأحكام قبل الأوان على أهمية المواضيع التي تستحق النشر او أحقية بعض الأطراف الفاعلة في المجتمع لتكون دون غيرها موضوع تغطية صحفية، فشبكة المراسلين لا تلقتط من الأخبار إلا ما خططت وسائل الإعلام مسبقا لالتقاطه.

وتسعى وسائط الاتصال وخاصة منها التي تعتمد إيرادات الإشهار(الاعلان) إلى جلب اهتمام الجمهور وتوسيع رقعة انتشار القراء او المستمعين او المشاهدين، فتعتمد تقنيات وطرق عمل تمسرح بعض الأحداث وتضخّمها وقد تتجه في بعض الأحيان إلى "صناعة الحدث" متجاوزة دورها   التسجيلي   فتصبح طرفا متدخلا في الحياة العامة لا يقتصر على   رواية ما جرى   مشابهة في ذلك بقية الفاعلين الاجتماعيين الذي يصنعون الحياة العامة ويخوضون صراعاتها. فهل وسائط الاتصال شاهد على ما يجدّ  في المجتمع أم طرف في ميزان القوى؟"