المهدي الجندوبي
المغرب الجمعة 29-12- 1989 العدد 183، ص 17.
انتهاك الاعراض عبر الجرائد، مصطلح اصبح يفرض نفسه في عديد المناقشات التي تدور حول الصحافة في تونس ويمثل انتقادا جدّيا يوجّه إلى اهل المهنة من السّلطة ومن الشخصيات غير الرسمية الفاعلة في الحياة العامة. ولكن ماذا نعني بانتهاك الاعراض ؟ ومتى نقرّ ان خبرا أو رأيا انتهك عرض شخص؟ وكيف يمكن محاصرة هذه الظاهرة؟
انتهاك الاعراض عبارة أصبحت دارجة في عالم الصحافة ولكنّها غير محددة
المعنى. فهي تشمل ما يسميه رجال القانون الثّلب ( عندما يقع شتم علني وصريح
العبارة لشخص معين ، يمكنه ان يقدم شكوى للمحاكم)، وتشمل ممارسات أخرى اقل وضوحا
كأن يوجه انتقادا لاذع فيه تحامل، لشخصية سياسية لم تعد تمارس السلطة بعد ان تكون
هذه الشخصية حظيت بكل المساندة والتمجيد اثناء ممارستها للحكم وهو ما اطلق عليه خيال
المهنيين صحافة المسالخ وقد تكون العبارة مستوحاة من المثل الشعبي الذي يقول عندما
تسقط البقرة تكثر السكاكين.
ويمكن أيضا ان يقدّم خبرا موجه ولا يستند على مصدر سليم، مع امكانية اختلاق مصدر وهمي ويقصد بذلك توريط شخصية امام
الرّاي العام وعدم إعطائها فرصة تعديل أو نفي صحّة الخبر. ومثل هذه الأساليب التي
يقصد بها إعطاء صورة سلبية عن شخصية سياسية او فكرية او رياضية، عديدة وتمارسها
الصحافة في تونس وغيرها من صحافات العالم ، عندما لا تلتزم بابسط القواعد المهنية من صحة الاخبار وإعطاء
المعنيين فرصة ابلاغ ردود فعلهم حول كل ما ينشر حولهم .
ويهم انتهاك الاعراض بصفة أكثر
حدّة ما يسمّى بصحافة الخبر التي تركز على رصد تصريحات ومواقف وتحركات ونشاطات
الشخصيات السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية التي يعطيها نشاطها العام شهرة
تجعلها محور حديث الخاص والعام. وظاهرة انتهاك الاعراض أقل حدّة في صحافة الرأي
التي تعالج القضايا الفكرية والاختيارات المطروحة على المجتمع.
ان صعوبة وضع مقاييس محدّدة لما يمكن ان نعتبره انتهاك الاعراض من قبل
الصحافة ان يعالج هذا الموضوع بكثير من الحذر، إذ قد يصعب الفصل بين الخطأ الذي
يمكن ان تقع فيه الصحافة عندما تنتهك بصفة جليّة ومقصودة عرض شخص معيّن وبين أدائها لدورها العادي في
الاعلام والنّقد، وقد يكون الاعلام في بعض الأحيان مزعجا وقد يكون النّقد لاذعا
الى حدّ قد يصعب فيه الفصل بين الخيط الأبيض والأسود. ويتجسّد هذا الحذر في:
1)
دعوة رجال السياسة والفن والرياضة المرموقين
وغيرهم من الأشخاص الذين ارتقوا بحكم وظائفهم وادوارهم الاجتماعية الى صف الشخصيات
العامة، الى تجاوز الحساسية المفرطة التي يمتلكها كل شخص عادي إزاء النقد
والانتقاد. فهم موضوع الصّحافة المفضّل احبّوا ذلك ام كرهوا، وعليهم التعوّد على
تحمّل بعض اذائها مقابل ما توفّره لهم عادة من حضور اجتماعي عن طريق التعريف
بافكارهم واعمالهم وجلب اهتمام العامّة اليهم، وهذه العقلية الرّياضية إزاء الصحافة لا تعني بالضرورة السّكوت على الحالات
المفضوحة للثلب او للتحامل.
2)
ان قانون الصحافة يشتمل على بنود تتعلق
بالثلب وحق الردّ فكل مواطن يستطيع ان يقدّم شكوى للمحاكم التي تقرّ او ترفض وجود
الثلب في مقال أو خبر، كما تقرّ التعويض في صورة وجود الثلب و تجبر الجريدة على
دفع غرامة. ومنح قانون الصحافة كذلك كل مواطن وقع ذكر اسمه في مقال حق الردّ أي
نشر توضيح بنفس الجريدة وبصفة مجانية. وعلى المواطن في تونس ان يتعوّد على استعمال
هذين الحقين وقد يساعد ذلك على ترشيد التعامل مع الصحافة كأداة تعبير جماعية من
قبل اهل المهنة والمواطنين على حدّ السواء. ويذكر انّه في بعض البلدان يعرض
الصّحافي بصفة اختيارية مقاله على مستشار قانوني قبل النّشر وذلك قصد تجنّب
السّقوط تحت طائلة قانون الصحافة ( بند الثلب).
3)
يمكن ان ينتشر داخل المهنة وعي جماعي يتعلّق
بمسألة انتهاك الاعراض للوصول الى نوع من الوفاق حول السلوكيات المهنية السلبية
وتشمل كلمة المهنة الصحافيين ورؤساء التحرير ومديري الجرائد والمؤسسات الإعلامية
الذين يتدخّلون في صياغة النصوص الصحفية من وراء السّتار. وقد بدأ يتبلور مثل هذا
الوعي في الوسط الصحفي منذ عدّة سنوات وتمثّل مناقشات احتضنتها جمعية الصحفيين
ومقالات نشرها صحافيون حول هذا الموضوع ونصوص جماعية واهمها ميثاق الشرف الصحفي
الذي بادرت بطرحه منذ نهاية السبعينات جمعية الصحافيين. ونظّم المركز الافريقي
لتدريب الصحافيين والاتصالين منذ سنةدورة
تدريبية حول الجانب القانوني والأخلاقي في تحرير الصّحفي وكان من بين
المتدخلين من يشتغل بالقضاء والمحاماة. ويمكن لمثل هذه المبادرات ان تتواصل
وتتكثّف إلى ان تحاصر من الدّاخل هذه
الظّاهرة السّلبية.
4)
إذا كان انتهاك الاعراض يتمّ عن طريق
الصّحافة، فهو ليس دائما من فعل الصحافة أو الصّحافيين. ان الشخصيات العامّة
السياسية والفنيّة والرياضية التي كثيرا ما توجّه التهمة الى الصحافة عندما يشملها
هذا الانتهاك، تكون هي بذاتها في كثير من الأحيان المصدر الرّئيسي والخفيّ
لبعض الأخبار والمقالات التي تحمل انتهاكا
لعرض شخصية معيّنة ويدخل ذلك في نطاق
المنافسة والمصارعة التي توجد بين الأطراف الفاعلة في حقل الحياة العامّة.
وكم من مرّة تلحّ شخصية داخل السّلطة او خارجها على نشر أخبار موجّهة فيها طعن
لشخصية أخرى ويقع ايهام الصحافي بصحّتها،
كما يمكن ان يقع اغراؤه او اغراء صاحب الجريدة بمكافئة.
ان انتهاك الاعراض يهم الصحافة والصحافيين ولكّنه وبدرجة أولى يطرح مسالة
اعمق وهي طبيعة العلاقات التي تربط الأطراف الفاعلة والمتصارعة في الحياة العامة
بمختلف حقولها السياسية والفكرية والفنية والنقابية والرّياضية فالصحافة
في هذه الحالة تعكس أساليب التعامل بين اقطاب الحياة التي تصل إلى حدّ
العنف. وما انتهاك الاعراض إلّا شكلا من أشكال هذا العنف الرّمزي .
الصحافة و إنتهاك الأعراض، المهدي الجندوبي، المغرب عدد 183-الجمعة 29 ديسمبر 1989، ص: 17.
مواضيع ذات صلة:
Evaluation critique de la dépêche de l'agence TAP en l'An 2000
Journalistes professionnels et journalistes amateurs
La fonction du discours critique dans les quotidiens tunisiens